یعتقد البعض من غیر المطّلعین، أنّ المسائل الأخلاقیّة تمثل أمراً خاصاً فی حدود الحیاة الشّخصیة للإنسان، أو أنّها مسائل مقدّسة معنویّة، لا تفید إلاّ فی الحیاة الاُخرویّة، وهو أشتباه محظ، لأن أکثر المسائل الاخلاقیّة لها أثرها فی واقع الحیاة الإجتماعیّة للإنسان، سواء کانت مادیّة أم معنویّة، فالمجتمع البشری بلا أخلاق، سینقلب إلى حدیقةِ حیوانات لا یُجدی معها إلاّ الأقفاص، لِردع أفعال الحیوانات البشریّة عن أفعالها الضّارة، و ستُهدر فیها الطّاقات، وتحطّم فیها الإستعدادات، وسیکون الأمان والحریّة لعبة بید ذوی الأهواء، وستفقد الحیاة الإنسانیة مفهومها الواقعی.

وعندما نتحرى التأریخ، نرى أنّ کثیراً من الأقوام البشریّة قد حَلّ بهم البوار، وتمزقوا شرّ مُمَزّق نتیجةً لإنحرافاتهم الأخلاقیّة.

وکم رأینا فی التأریخ حُکّاماً، عرّضوا شعوبهم لمصائب ألیمة و ویلات، نتیجةً لضعفهم الأخلاقی!!. وکم یوجد من اُمراء فاسدین وقیادات عسکریّة متعنّتة، عرّضوا حیاة جنودهم للخطر الفادح، بسبب استبدادهم بالرّأی وعدم المشورة.

والحقیقة أنّ الحیاة الفردیّة للإنسان، لا لَطافةَ ولا شفافیّة لها بدون الأخلاق. ولن تصل العوائل إلى برِّ الأمان من دونها، ولکنّ الأهمَّ من ذلک هو الحیاة الإجتماعیّة للبشر، فما لم

یتمسک أفراد المجتمع بالأخلاق، فستکون نهایة المجتمع ألیمة وموحشة جدّاً.

ولرب قائل یقول: إنّ السّعادة و التکامل فی واقع المجتمع البشری، یمکن أن یتحقّقا فی ظِلِّ العمل بالقوانین و الأحکام الصّحیحة، من دون الإعتماد على مبادىء الأخلاق فی الفرد.

و نقول له: إنّ العمل بالقوانین، من دون وجود قاعدة متماسکة من القِیم الأخلاقیّة لدى الفرد غیر ممکن، لأنّه إذا لم یتوفر الدّاعی الذّاتی للإنسان، فالسّعی الظّاهری لن یُجدی نفعاً.

فالقوّة و الضّغط من أسوأ الأدوات لتنفیذ القوانین و الضّوابط، و لا یصحّ إستعمالها إلاّ فی الضّرورات، وبالعکس فإنّ الإیمان و الأخلاق، یُعتبران من أفضل الأسالیب لتنفیذ أیّة قرارات.

بعد هذه الإشارة، نعود للآیات القرآنیّة الناظّرة إلى هذه المسألة المهمّة، لنستوحی منها بعض المعانی فی هذا المجال:

1 ـ (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ آتَّقَوْا لَفَتَحْنـا عَلَیْهِمْ بَرَکـات مِنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ وَلکِنْ کَذَّبُوا فَاَخَذْناهُمْ بِما کانُوا یَکْسِبُونَ )(1).

2 ـ (وَلا تَسْتَوِی الْحَسَنَةُ وَلا السَّیِّئَةُ إِدْفَعْ بِالَّتِی هِىَ أَحْسَنُ فَاِذَا الّذی بَیْنَکَ وَبَیْنَهُ عَداوَةٌ کَأَنَّهُ وَلِیٌّ حَمِیمٌ وَ ما یُلَقّاها إِلاّ الَّذِینَ صَبَرُوا وَ ما یُلَقّاها إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِیم )(2).

3 ـ (فَبِما رَحْمة مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ کُنْتَ فَظّاً غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِکَ فَأعْفُ عَنْهُمْ وَآسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِی الأَمْرِ فَاِذا عَزَمْتَ فَتَوَکَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ یُحِبُّ الْمُتَوَکِّلِینَ )(3).

4 ـ (وَما أَرْسَلْنا فِی قَرْیَة مِنْ نَذِیر إِلاّ قالَ مُتْرَفُوها إِنّا بِما اُرْسِلْتُمْ بِهِ کافِرُونَ )(4).

5 ـ (وَابْتَغِ فِیما آتکَ اللهُ الدّارَ الاْخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِیبَکَ مِنَ الدُّنْیا وَ أَحْسِنْ کَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَیْکَ وَ لا تَبْغِ الْفَسادَ فِی الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا یُحِبُّ الْمُفْسِدِینَ قالَ إِنَّما اُوتِیتُهُ عَلَى عِلْم عِنْدی أَوَ لَمْ یَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَکَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَکْثَرُ جَمْعاً ولا یُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الُْمجْرِمُونَ )(5).

6 ـ (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ إِنَّهُ کانَ غَفّاراً یُرْسِلِ السَّماءَ عَلَیْکُم مِدْراراً ـ وَیُمْدِدْکُمْ بِأَمْوال وَبَنِْینَ وَ یَجْعَلْ لَکُمْ جَنّات وَیَجْعَلْ لَکُمْ أَنْهاراً )(6).

7 ـ (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالاِْنْجِْیلَ وَما اُنْزِلَ إِلَیْهِمْ مِن رَّبِّهِمْ لاََکَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ اُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَ کَثِیرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما یَعْمَلُونَ )(7).

8 ـ (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَکَر أَوْ اُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْیِیَنَّهُ حَیاةً طَیِّبَةً وَلَنَجْزِیَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما کانُوا یَعْمَلُونَ )(8).

9 ـ (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِکْری فَاِنَّ لَهُ مَعِیشَةً ضَنْکاً وَ نَحْشُرُهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ أَعْمى )(9).

10 ـ (وَلا تَنـازَعُؤا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِیحُکُمْ )(10).

1. سورة الأعراف، الآیة 96.
2. سورة فصّلت، الآیة 34 و 35.
3. سورة آل عمران، الآیة 159.
4. سورة سبأ، الآیة 34.

5. سورة القصص، الآیة 77 و 78.
6. سورة نوح، الآیة 10 إلى 12.
7. سورة المائدة، الآیة 66.
8. سورة النحل، الآیة 97.
9. سورة طه، الآیة 124.
10. سورة الأنفال، الآیة 46.