فی رسالة السّیر و السّلوک المنسوبة للعلاّمة بحر العُلوم، و بعد ذکره للعوالم والمنازل المذکورة آنفاً، یتطرق إلى کیفیة السّیر فی هذا الطریق الصعب، و الملىء بالمفاخر، و یذکر (25) أمراً للوصول إلى المقاصد العلیا، ونذکرها بشکل مختصر:
فالسّالک إلى الله تعالى، و المرید للقرب منه، لأجل الوصول إلى هذه العوالم، وبعد إطّلاعه الکامل على اُصول الدین و فروعه، و أحکامه الإسلامیة من الطُرق المعتبرة، یشدُّ الرحال ویأخذ طریقه فی عملیة السّلوک، من خلال الإلتزام بالمراحل الـ (25)، لیصل إلى المقصود:
أولاً: ترک الآداب و الرّسوم والعادات التی تقف عقبةً فی الطریق، وتغرقه فی بحر الآثام.
ثانیاً: العزم القاطع للسّیر فی هذا الطّریق، فلا یخاف شیئاً، و لایتردّد، ولیعتمد على لُطف الله تعالى.
ثالثاً: الرّفق و مُداراة النّفس، فلا یحمّلها أکثر من طاقتها، کی لا تنفر ولا تنطفیء جذوتها، ولئلاّ تنقطع عن المسیر.
رابعاً: الوفاء، وهو الوفاء بالبقاء على العهد فی التّوبة، و ترکه للذّنوب وَ عدم العودة إلیها، ولیکون وفیّاً مع اُستاذه أیضاً.
خامساً: الثّبات و الدّوام، یعنی الدّوام على ما إختاره من برامج لنفسه، حتى تُصبح عادةً عنده، و لیغلق طریق العودة على نفسه.
سادساً: المُراقبة، وهی عبارة عن الإنتباه لنفسه فی کل الاُمور و الأحوال، ولِئّلا تصدر منه المخالفة.
سابعاً: المحاسبة، کما جاء فی حدیث: «لَیسَ مِنّا مَنْ لَم یُحاسِبْ نَفسَهُ کُلَّ یَوم».
ثامناً: المؤآخذة، حیث یوآخذ نفسه فی کلّ خطأ یصدر منه ویعاقبها.
تاسعاً: المسارعة، یعنی یعمل بمقتضى أمر: (سَارِعُوا إِلى مَغْفِرَة مِنْ رَبِّکُم )، الوارد فی القرآن الکریم، فیُسارع فی کلّ خیر، لئلاّ یسبقه الشّیطان ویوسوس له فی ترکه.
عاشراً: خُلوص الباطن، وهو تطهیر الباطن، بحیث لا یکون أدنى غش فی قلبه، والحب التام لرسول الله(صلى الله علیه وآله) صاحب الشّریعة، و الأوصیاء المعصومین(علیهم السلام).
الحادی عشر: الأدب، حفظ حُرمة الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله)، و أوصیاءه المعصومین(علیهم السلام)، بحیث لا یلفظ بلفظ یدل على عدم الرّضا منهم، و الإعتراض علیهم(علیهم السلام)، و حفظ حرمة الأکابر، ولبیان حاجته فی الدّعاء لا یستعمل ألفاظاً تدل على الأمر والنّهی.
الثانی عشر: النیّة، و تعنی إخلاص القصد فی هذا المسیر و الحرکة، و جمیع الأعمال لله تعالى.
الثالث عشر: الصّمت، ویعنی الإکتفاء بالمقدار اللاّزم من الکلام.
الرابع عشر: الجوع و قلّة الأکل، و هو من الشّروط المهمّة لسلوک هذا الطریق، ولکن لیس للحدّ الذی یبعث على الضّعف وعدم القدرة.
الخامس عشر: الخلوة، و هی عبارةٌ عن العزلة عن أهل العصیان، و طلاّب الدنیا و أصحاب العقول الناقصة، و التّوجه الخالص لله عند العبادة و الذّکر، و الإبتعاد عن الضّوضاء و عناصر التّشویش الذهنی.
السادس عشر: السّهر، و خصوصاً فی الثّلث الأخیر من اللیل، الذی أکدّت علیه الآیات و الرّوایات.
السابع عشر: الدّوام على الطّهارة، وهو أن یکون على وضوء دائماً، حیث ینوّر الباطن بأنوار خاصّة.
الثامن عشر: التّضرع لله تعالى، والتحرک على مستوى اظهار الخضوع له، أکثر و أکثر.
التاسع عشر: عدم إعطاء النفس ما ترید و إن کان مُباحاً، بالقدر الذی یستطیع.
العشرون: کتمان السّر، وهو من أهم الشّروط، و هو ما یؤکد علیه أساتذة هذا الأمر، حتى لا یجرّ الإنسان للریاء و التّظاهر، وإذا ما حصلت له المکاشفة، یجب أن لا یخبر أحد لئلاّ یُصاب بالعجب.
الواحد والعشرون: یجب الإلتزام فی عملیّة السّلوک المعنوی باُستاذ، سواء کان الأستاذ عامّاً للسّیر و السّلوک أو خاصّاً، و هو رسول الله(صلى الله علیه وآله) والأئمّة المعصومین(علیهم السلام).
و یجب على السّالک الإنتباه إلى أنّ هذه المرحلة، هی مرحلةٌ دقیقةٌ جداً، حتى لا یختبر أحداً و لا یطّلع على صلاحیّته العلمیّة و الدینیة، ولا یعمتد على إرشاداته بصورة کلیّة، لأنّه یوجد بعض الشیاطین یتلبّسون بلباس الأساتذة، وذئاب تلبس ثوب الرّاعی، فتحرف السّالک عن الجادّة.
ویقول المرحوم العلاّمة الطباطبائی فی هذا المجال: إنّ الإطّلاع على العلوم والأسرار الغریبة، و ما وراء الطّبیعة وأسرار الإنسان، والمشی على الماء والنار والإخبار بالمغیّبات، کلّها لا تؤکد أنّ ذلک الإنسان قد وصل إلى مرحلة الکمال، لأنّ کلّ تلک الاُمور تحصل فی مرتبة المکاشفة الرّوحیّة، و الطّریق طویل حتّى الوصول إلى الکمال.
الثانی والعشرون: «الأوراد»، و هی عبارةٌ عن الأذکار التی تفتح للسّالک الطّریق و المرور
من المطّبات الصّعبة، و تعینه فی المسیر إلى الله تعالى.
الثالث والعشرون: نفی الخواطر، وهو تسخیر القلب، والحکومة علیه و الّتمرکز الفکری، بحیث لا یمر من خاطره شیء، إلاّ بإختیاره وإذنه، أو بتعبیر آخر، لا یشغل تفکیره الأفکار المُشوّشة، و هو من الاُمور الصّعبة.
الرابع والعشرون: التّفکر، والقصد منه أنّ السّالک یسعى من خلال التّفکیر الصحیح، و العمیق، فی إکتساب المعرفة الحقّة، ویحصر تفکیره فی عالم الصّفات، والأسماء الإلهیّة و تجلّیاته و أفعاله.
الخامس والعشرون: الذِکّر، و المراد منه التّوجه القلبی للذّات المقدّسة للباری تعالى، ولیس الذّکر اللّسانی الذی یسمّى بالوِرد، أو بعبارة اُخرى، یکون کلّ نظره جمال الإله، ولا یرى شیئاً غیره.
هذه هی خلاصة، ما نسب للعلاّمة بحر العلوم فی دائرة السّیر و السّلوک، و تبعه فی ذلک مع إختلاف یسیر، العلاّمة الطّباطبائی، و ذلک کما جاء فی رسالته «لبّ اللباب».
—–
1. إرشاد القلوب للدیلمی، باب 39.
2. سورة آل عمران، الآیة 133.
