تبیّن ممّا ذکر آنفاً، العلاقة الوثیقة بین الغذاء و الروحیّات و الأخلاق، و نحن لا ندّعی أبداً أنّ الأکل والغذاء هو العلّة التّامة لبلورة الأخلاق، ولکنّه یمثل عاملاً مُساعداً فی ذلک، بحلاله و حَرامه، و أنواعه.
و یقول علماء العصر الحاضر، أنّ السّلوکیات الأخلاقیة عند الإنسان، تنطلق من خلال ترشّح بعض الهرمونات من الغدد الموجودة فی جسم الإنسان، و الغُدد بدورها، تتأثر مباشرةً بما یأکله الإنسان، وعلى هذا الأساس، فإنّ لحومَ، الحیوانات تحمل نفس الصّفات النفسیّة الموجودة فی الحیوان، فالضّواری تفعّل فِعْلَ عناصر التّوحش فی الإنسان، و الخنزیر یذهب بالغیرة عند الإنسان، و هکذا فإنّ لحم أیّ حیوان، یخلف بصماته على روح آکله مباشرةً، و ینقل إلیه صفاته.
هذا من الناحیة المادیّة الطبیعیّة، وأمّا من الناحیّة المعنویّة، فإنّ أکل الحرام یُظلم الروح و القلب، و یُضعف الفضائل الأخلاقیّة کما تقدم.
و أخیراً نختم هذا البحث، بنقل قصّة تاریخیة نقلها المسعودی فی مروجه، فقال:
نقل عن الفضل بن الرّبیع أنّ «شریک بن عبدالله»، دخل یوماً على «المهدی»، الخلیفة العبّاسی فی وقتها فقال له المهدی العباسی: «أی شریک»، أعرض علیک ثلاثة اُمور، علیک أن تختار إحداها، فقال ما هی؟، فقال له: إمّا أن تقبل منصب القضاء، أو أن تعلّم إبنی، أو تأکل معنا على مائدتنا، ففکّر شریک قلیلاً، وقال إنّ الأخیرة أسهلها، فحجزه المهدی، وقال لطبّاخه، حضّر له أنواعاً من أطباق أمخاخ الحیوانات، المخلوطة بالسّکر و العسل.
فعندما أکلَ شریک من ذلک الطعام اللّذیذ، «و طبعاً الحرام»، قال الطبّاخ للمهدی، إنّ هذا الشّیخ لن یُفلح أبداً بعد هذا الطّعام، فقال الرّبیع: وفعلاً قد صدقت نبوءة الطبّاخ، فإنّ شریک بعدها قبل منصب القضاء، و علّم أبناء المهدی أیضاً.
1. سفینة البحار، مادة «شریک»; ومروج الذهب، ج3، ص310.
