یقول کثیر من علماء الأخلاق، إنّ الخطوة الاُولى لتهذیب الأخلاق و السّیر إلى الله، هی «التّوبة»، التّوبة التی تمحو الذّنوب من القلب وتبیّض صفحته وتجعله یتحرک فی دائرة النور، و تنقله من دائرة الظّلمة، و تخفف ثقل الذّنوب من خزینه النّفسانی، و رصیده الباطنی، و تمهّد الطّریق للسّیر و السّلوک إلى الله تعالى، فی خط الإیمان و تهذیب النّفس.
یقول المرحوم: «الفیض الکاشانی»، فی بدایة الجزء السابع من کتابه: «المحجّة البیضاء»، الذی هو فی الواقع، بدایة الأبحاث الأخلاقیّة:
(فإنّ التّوبة من الذنوب، و الرّجوع إلى ستار العُیوب و علاّم الغیوب، مبدأ طریق السّالکین، و رأس مال الفائزین، و أوّل إقدام المریدین، و مفتاح إستقامة المائلین و مطلع الإصطفاء و الاجتباء للمقرّبین!).
و بعدها یشیر إلى حقیقة مهمّة، و هی أنّ أغلب بنی آدم یتورطون غالباً بالمعاصی، و یشیر إلى معصیة آدم: (التی هی فی الواقع، من ترک الأولى)، و توبته منها، ویقول: «وما أجدر بالأولاد الإقتداء بالآباء والأجداد، فلا غرو إن أذنب الآدمی و إجترم، فهی شنشنةٌ یعرفها من أخزم، ومن أشبه أباه، فما ظَلم، ولکنّ الأب إذا جبر بعد کسر، و عمّر بعد أن هدم، فلیکن النزوع إلیه فی کلا طرفی، النّفی و الإثبات و الوجود والعدم، ولقد قلع آدم سنّ النّدم، و تندّم على ما سبق منه و تقدّم، فمن إتّخذه قدوةً فی الذنب دون التّوبة فقد زلّت به القدم، بل التجرد لمحض الخیر دأب الملائکة المقرّبین، والتجرُّد للشرّ دون التّلافی، سجیّة الشّیاطین، و الرّجوع إلى الخیر بعد الوقوع فی الشرّ ضرورة الآدمیین، فالمتجرّد للخیر ملک مقرّب، عند الملک الدّیان، والمتجرّد للشرّ شیطان، والمتلافی للشرّ بالرجوع إلى الخیر بالحقیقة إنسان.
والمصرّ على الطّغیان، مسجّل على نفسه بنسب الشّیطان، فأمّا تصحیح النّسب بالتجرّد لمحض الخیر إلى الملائکة، فخارج عن حیّز الإمکان، فإنّ الشرّ معجون مع الخیر، فی طینة آدم، عجناً محکماً لا یخلّصه إلاّ إلى إحدى النارین: نار الندم أو نار جهنم».
أو بعبارة اُخرى: أنّ الإنسان غالباً ما یُخطیء، و خصوصاً فی بدایة سیره إلى الله تعالى، فإذا ما وجد أنّ أبواب العودة موصدةٌ فی وجهه، فسیورثه الیأس الکامل، و یبقى یُرواح فی مکانه، ولذلک فإنّ التّوبة تعتبر من الاُصول المهمّة فی الإسلام، فهی تدعو کلَّ المذنبین إلى العمل لإصلاح أنفسهم، و الدّخول فی دائرة الرّحمة الإلهیّة، و السّعی لجبران ما مضى.
و قد بیّن الإمام السّجاد(علیه السلام)، فی مناجاته: «مناجاة التائبین» أفضل وأحلى صورة لها، فقال:
«إِلَهی أَنْتَ الّذِی فَتَحْتَ لِعبادِکَ باباً إِلى عَفْوِکَ سَمَّیْتَهُ التَّوبَةَ فَقُلْتَ تُوبُوا إِلى اللهِ تَوبَةً نَصُوحاً، فَما عُذْرُ مِنْ أَغْفَلَ دُخُولَ البابِ بَعْدَ فَتْحِهِ».
و الجدیر بالذکر أنّ الباری تعالى یحبّ التّائبین، لأنّ التّوبة تعتبر الخطوة الاُولى لکی یعیش الإنسان فی أجواء السّعادة و الحیاة الکریمة.
وقد ورد عن الإمام الباقر(علیه السلام): «إِنّ اللهَ تَعالى أشَدُّ فَرَحاً بِتَوبَةِ عَبْدِهِ، مِنْ رَجُل أَضَلَّ راحِلَتَهُ وَ زادَهُ، فِی لَیلَة ظَلْماءَ فَوَجَدها».
فهذا الحدیث مزج بکنایات خاصة وعبارات جذابة، لیبیّن أنّ التّوبة فی الواقع، الزّاد و الرّاحلة لعبور الإنسان من وادی الظّلمات، لیصل إلى معدن النّور و الرّحمة، و یعیش حالات الکرامة فی الصفات الإنسانیّة.
—–
و على أیّة حال، فإنّ ما یطرح فی مبحث التّوبة اُمورٌ عدیدةٌ، أهمّها هی:
1 ـ حقیقة التّوبة.
2 ـ وجوب التّوبة.
3 ـ عمومیة التّوبة.
4 ـ أرکان التّوبة.
5 ـ قبول التّوبة، هل عقلی أو نقلی؟
6 ـ تقسیم التّوبة وتجزئتها.
7 ـ دوام التّوبة.
8 ـ مراتب التّوبة.
9 ـ معطیات و برکات التّوبة.
1. المحجّة البیضاء، ج7، ص6 و 7، مع التلخیص.
2. المناجاة الخمسة عشر للإمام السجاد(علیه السلام)، المناجاة الاُولى; بحار الأنوار، ج94، ص142.
3. اُصول الکافی، ج2، باب التوبة، ص435، ح8.
