تفسیر و إستنتاج

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأخلاق فی القرآن 1
2.دور الأخلاق فی الحیاة والحضارة الإنسانیّةالنتیجة

«الآیة الاولى»: تکلّمت عن الرّابطة بین برکات الأرض و السّماء و بین التّقوى، حیث یُصرِّح فیها بأنّ التّقوى، سبب البرکات التی تنزل من السّماء على الناس، وبالعکس فإنّ عدم التّقوى و التّکذیب بآیات الله، سبب لنزول العذاب: (وَلَوْ أَنَّ اَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ بَرَکات مِنَ السَّماءِ وَآلاَْرْضِ وَلکِنْ کَذَّبُوا فَآَخَذْناهُمْ بِما کانُوا یَکْسِبُونَ ).

فبرکات الأرض و السّماء لها معنى وسیع جداً، بحیث یشمل: نزول الأمطار، و إنبات النّباتات، و کثرة الخیرات، وکثرة القوى البشریّة.

«البرکة»: أصلها الثّبات و الإستقرار، و بعدها اُطلقت على کلّ نِعمة و موهبة تبقى ثابتةً لا تتغیر، و لذلک فإنّ الموجودات غیر المبارک فیها، تکون غیر ثابتة و تفنى بسرعة.

 

إن الکثیر من الاُمم لدیها إمکاناتٌ مادیّةٌ کبیرةٌ، و معادن و مصادر للثروة تحت الأرض، و کذلک لدیها أنواع الصّناعات، ولکن بسبب أعمالهم السیئة و التی لها علاقة مُباشرة بإنحطاطهم الأخلاقی، فإنّ تلک المواهب والمنن الإلهیّة، ستتعرض للإهتزاز وتفقد البرکة فی مضمونها الإجتماعی، حیث تُستعمل تلک النعم الإلهیّة فی الغالب، لتعجیل فنائهم وزوال نعیمهم من موقع النقمة الإلهیّة.

وقد صرّح القرآن الکریم بذلک، حیث قال فی سورة التوبة فی الآیة (85): (وَلا تُعْجِبْکَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما یُرِیْدُ اللهُ أَنْ یُعَذِّبَهُمْ بِها فِی الدُّنْیا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ کافِرُونَ )

نعم إنّ هذه النِّعم إذا إقترنت بفساد الأخلاق، فستکون سبباً لعذاب الدنیا و خُسران السّعادة فی الآخرة!.

و بعبارة اُخرى، إذا إقترنت هذه المواهب الإلهیّة، بالإیمان والأخلاق والقیم الإنسانیة، فستجلب الرّفاه و السعادة و العمران للمجتمع البشرى، وهذا هو الشّیء الذی تُشیر إلیه الآیة الآنفة الذّکر.

وبالعکس فیما لو سلک الإنسان معها، اُسلوب البُخل و الظُّلم و الإستبداد، و سوء الخُلق و إتّباع الأهواء، فستکون من وسائل الإنحطاط و الفساد و الإنحراف!.

—–

«الآیة الثانیة»: تتحرک فی إطار بیان طریقة مُهمّة و مُؤثرة جداً لدفع العداوات والضّغائن، وتوضّح أیضاً دور الأخلاق فی إزالتها: (إِدْفَعْ بِالَّتی هِیَ أَحْسَنُ فَاِذَا الَّذِی بَیْنَکَ وَبَیْنَهُ عَداوَةٌ کأَنَّهُ وَلِیُّ حَمِْیمٌ ).

ویضیف قائلا: إنّ هذا الأمر، أی سِعة الصّدر، أمرٌ لا یقدر علیه کلّ أحد، بل یختصّ بها من اُوتی حظّاً عظیماً من الإیمان و التّقوى، فیقول: (وَما یُلَقّاها إِلاَّ الَّذِینَ صَبَرُوا وَما یُلَقّاها إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِیْم ).

إنّ إحدى المشاکل الکبیرة للمجتمعات البشریّة، هی تراکم الحقد و الکراهیّة فی النفوس، وفی حال وصولها الذّروة، فإنّ من شأنها أن تفضی إلى إشعال نیران الحروب، التی تحرق معها کلّ شیء وتحوله إلى رماد.

ومع تحرک الإنسان من موقع: (إدفع بالّتی هی أحسن )، فستذوب الأحقاد و الکراهیّة کالثّلج فی الصّیف، وستتخلص المجتمعات البشریّة من خطر الحروب، و تقلّ الجنایات، و تنفتح البشریّة على أجواء المحبّة و التعاون و التّکامل الإجتماعی.

وکما یقول القرآن الکریم،: إنّ هذا المستوى الأخلاقی لا یصدر من کائن من یکن، حیث یتطلب قوّة الإیمان و التّقوى والتربیة الأخلاقیّة.

ومن الطبیعی أنّ الخُشونة إذا ما قابلتها الخُشونة، و السّیئة دُفعت بالسّیئة، فستطّرد هذه السّلبیات وتتوسع یوماً بعد یوم، و بالتّالی ستجر الویلات و المآسی على المجتمع البشری.

ومن البدیهی أنّ: (مسألة إدفع بالّتی هی أحسن)، لها شروطٌ و حدودٌ و إستثناءاتٌ، سنشرحها بالتّفصیل فی المستقبل إن شاء الله.

—–

«الآیة الثالثة»: تحدثت عن تأثیر حُسن الخُلق فی جلب و جذب الناس، وبیّنت أنّ المدیر المتخلق بالأخلاق الإلهیّة إلى أیّ حدّ یکون موفقاً فی عمله، وکیف یجمع القلوب المُتنافرة و یوحِّدها التوحید الذی یصعد بها إلى الرّقی و الکمال الإجتماعی:

(فَبِما رَحْمَة مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ کُنْتَ فَظّاً غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَْنْفَضُّوْا مِنْ حَوْلِکَ فَآعْفُ عَنْهُمْ وَآسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِی الاَْمْرِ فَاِذا عَزَمْتَ فَتَوَکَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ یُحِبُّ الْمُتَوَکِّلِینَ ).

ففی هذه الآیة، نرى التّأثیر العمیق لحسن الأخلاق فی تقدّم أمر الإدارة، و جلب و جذب القلوب و وحدة الصّفوف، و النّجاح على مُستوى التّفاعل الإجتماعی لأفراد المجتمع; فأثر حسن الأخلاق لا یتحدّد بحدود البُعد الإلهی والمعنوی فقط، بل له آثاره الوسیعة فی حیاة الإنسان المادیّة.

و الأوامر الثّلاثة التی جاءت فی ذیل الآیة، یعنی مسألة: «العَفو عن الخَطأ» و «طلب المغفرةِ من الباری تعالى» و «المشورة فی الاُمور»، هی أیضاً تصبّ فی دائرة تفعیل عناصر الأخلاق فی النّفس، لأنّ تلک الأخلاق النّابعة من الرّحمة و التّواضع، تکون سبباً للعفو و الإستغفار وتصحیح الأخطاء السّابقة، و إحترام شخصیّة و وجود الإنسان أیضاً.

—–

«الآیة الرابعة»: تبیّن الآثار السّلبیة لبعض الأخلاق السیئة، حیث یقف فی مقابل الأنبیاء الإلهیین، جماعة من المترفین، و هم المُنعّمین الذین ملأ الکبَر والأنانیّة أنفسهم ووجودهم: (وَما أَرْسَلْنا فِی قَرْیَة مِنْ نَذِْیر إِلاّ قالَ مُتْرَفُوها إِنّا بِما اُرْسِلْتُمْ بِهِ کافِرُونَ ).

وبعدها یعقّب قائلاً: أنّ الغُرور وصل بهم إلى درجة کبیرة، فقالوا: (وَقالُوا نَحْنُ أَکْثَرُ أَمْوالا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِینَ ).

فمثل هذه الأخلاق القبیحة، تُعدّ سبباً فی التّصدی للإصلاح الإجتماعی، على مُستوى قتل رجال الحقّ، و خنق أصوات طلاّب الحقیقة، وبالتالی زرع بذور الفساد و الظّلم والطغیان فی المجتمعات، وهنا یتّضح نموذج آخر من آثار الأخلاق السّیئة فی المجتمعات البشریّة.

والعجیب فی الأمر، أنّ روحیّة الإستکبار النّاشئة من الرّفاه المادی و سبوغ النّعمة، هی السّبب فی التّورط فی مُستنقع الخطیئة و إرتکاب أخطاء فاضحة جدّاً، فإعتقدوا بأنّ وفور النّعمة و کثرتها، هو دلیل للقرب الإلهی، وقالوا: لولا قُربنا من الله تعالى لما آتانا تلک النّعم!؟. و بذلک أنکروا جمیع القیم الأخلاقیّة و المعنویّة، ولکنّ القرآن الکریم فی الآیة التالیّة یُفنّد منطقهم الواهی، و یجعل المعیار هو الإیمان والعمل الصّالح.

فلم یکن موقف المترفین المشرکین من قُریش بالوحید فی عصرهم، فهذا هو موقف جمیع المترفین فی الأقوام السّالفة مع الأنبیاء والمصلحین.

—–

«الآیة الخامسة»: تنظر لوجه آخر من المسألة، و تبیّن قصّة «قارون» الغنی المغرور والأنانی و هو من بنی إسرائیل.

فعندما نصحه أهل العلم والمعرفة من قومه، و قالوا له: (وَآبْتَغِ فِیما أتکَ اللهُ الدّارَ الاْخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِیبَکَ مِنَ الدُّنْیا وَ أَحْسِنْ کَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَیْکَ وَ لا تَبْغِ الْفَسادَ فی الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا یُحِبُّ الْمُفْسِدِینَ )و قال و بکلّ تکبّر و غُرور: (قالَ إِنَّما اُوتیْتُهُ عَلَى عِلْم عِنْدِی ).

یعنی أنّ الله لا دخل له فی وفور النّعمة علیّ، ولکنّ علمی ودرایتی بالاُمور هی السّبب فی ذلک; وهکذا أودى به الکِبَر و الغُرور إلى السّقوط فی وادی إنکار الآیات الإلهیّة، و بالتّالی التّحرک من موقع التعاون مع أعداء الحقّ و العدالة، و فی لحظة وحادثة عجیبة، خُسِفَت به وَ بِأمواله الأرض.

وهنا نرى کیف أنّ الرّذائل الأخلاقیّة، بإمکانها تغییر وجوه الأشخاص و المجتمعات، و منعهم من الوصول إلى الخیر والسّعادة.

و الطّریف فی الأمر، أنّنا نقرأ فی الآیات التی قبلها، بأنّ قومه قالوا له: (إِذْ قالَ لَهُ قَومُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ الله لا یُحِبُّ الفَرِحینَ ).

ومن البدیهی أنّ الإسلام لا یعارض الفرح و السّرور، ولکنّ المقصود هنا الفرح النّاشیء من الغَفلة و الغرور و نِسیان الله تعالى، و المقترن بالظّلم و الفساد و مُمارسة الخطیئة والذی بدوره یجرّ الإنسان لِلعربدة و الجُموح والفساد، وکلّ ذلک منشؤه الصّفات القبیحة التی تضرب بجرانها فی القلب.

—–

«الآیة السادسة»: نقرأ فیها شکوى النّبی نوح(علیه السلام) إلى الباری تعالى، فنرى فی طیّاتها معان تُشیر إلى تأثیر أعمال الإنسان، و الأخلاق التی تدعم تلک الأعمال، فی الحیاة الفردیّة و الإجتماعیّة للإنسان، فیقول: (فَقُلْت اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُم إِنَّهُ کانَ غَفّاراً * یُرْسِلِ السَّماءَ عَلَیکُم مِدْراراً * وَیُمْدِدکُم بِأَمْوال وَبَنَینَ * وَیَجْعَلْ لَکُم جَنَّات وَ یَجعَلْ لَکُم أَنهاراً ).

وفی الإستمرار فی قراءة تلک الآیات، نرى عصیانهم وتمرّدهم على الأوامر الإلهیّة، وکذلک تبیّن الآیات صفاتهم القبیحة، و التی هی بمثابة المنَبع الآسن الذی یمدهم بالذّنوب.

ویمکن القول أنّ ما ذُکر آنفاً، هو العلاقة المعنویّة و الإلهیّة بین الإستغفار وترک الذنوب، و بین زیادة النعم، ولا یوجد منع من سرایة هذه العلاقة لتشمل البُعد الظّاهری و البُعد المعنوی، لذلک نقرأ فی آیة اُخرى من القرآن الکریم: (ظَهَرَ الفَسادُ فِی البَرِّ والبَحْرِ بِما کَسَبَتْ أَیدِی النّاسِ )(1).

وقد ورد هذا المعنى فی سورة هود بشکل آخر على لسان الرسول(صلى الله علیه وآله)، فی خطابه لُمشرکی مکّة: (وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُم ثُمَّ تُوبُوا إِلَیهِ یُمَتِّعُکُم مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَل مُسَمّىً )(2).

لا شک أنّ الّتمتع «بالمتاع الحسن»، لأجل مُسمّى، هو إشارةٌ إلى المواهب المادیّة الدنیویّة، فهی رهینة الإستغفار و التّوبة من الذّنب، و العودة إلى الباری تعالى، و التّخلق بالأخلاق الحسنة.

ولا شکّ أنّ الصّفات القبیحة هی الأساس والأصل لأنواع الذّنوب، و الذّنوب بدورها سبب لنشر الفساد فی المجتمع وتفکیک لِعُرى الوحدة، و أواصر الصّداقة و الاُخوّة والإعتماد بین الناس، و بالتّالی التّأخر فی العُمران و الّنمو الإقتصادی و الرّفاه المادی، و التّکامل المعنوی وسلامة النّفوس.

—–

وفی «الآیة السابعة»: إشارةٌ إلى حالة أهل الکتاب وعصیانهم وطغیانهم، فیقول: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالاِْنْجِْیلَ وَما اُنْزِلَ إِلَیْهِمْ مِن رَّبِّهِمْ لاََکَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ اُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَکَثِیرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما یَعْمَلُونَ ).

ونرى هنا أیضاً تقریراً، للعلاقة الوطیدة بین العمل الصالح و التّقوى من جهة، و نزول البرکة السّماویة والأرضیة من جهة اُخرى، وهذه العلاقة یمکن أن تحمل الجانب المعنوی أو الطّبیعی، أو بالأحرى الإثنین معاً.

نعم فإنّ الفیوضات الإلهیّة لا حدّ لها، ویتوجب علینا تحصیل الأهلیّة و القابلیّة، لنتصل بالمصدر الأصلی للفیض، ولکن الإفراط و التّفریظ و العُدول عن جادّة الإعتدال و التّوازن، سوّدت وجه الحیاة الإنسانیّة، و سلبت منها الراحة.

فالحروب المدمّرة تعرّی النفوس الإنسانیّة من الفضیلة و الصّلاح، و تُزهق الثّروات المادیّة و المعنویّة، و تفضی بالإنسان إلى الزّوال.

 

و جُملة: (وَما اُنْزِلَ إِلَیْهِمْ مِن رَّبِّهِمْ )، تعنی کلّ الکتب السّماویة، و من جُملتها القرآن الکریم، وذلک لأنّ اُصولها فی الواقع واحدةٌ، رغم أنّه وبمرور الزّمان، و حرکة المجتمع الإسلامی فی خط التّکامل و التّطور، نزلت أوامر وأحکام أکثر تطوراً من السابق.

—–

«الآیة الثامنة»: نستوحی منها تعبیراً جدیداً عن علاقة الحیاة الطیبة بالأعمال الصالحة، (و الصّفات التی هی منشأ لتلک الأعمال)، فتقول الآیة: (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَکَر أَوْ اُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْیِیَنَّهُ حَیاةً طَیِّبَةً وَلَنَجْزِیَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما کانُوا یَعْمَلُونَ ).

الآیات السّابقة، کانت تؤکّد على تأثیر الأخلاق على آفاق وأبعاد حرکة الإنسان فی الحیاة الإجتماعیة، وفی الآیة هذه نجد أنّها تتناول الحیاة الفردیة، فیذکر فیها أنّ کلّ إنسان من ذکر و اُنثى، إذا ما آمن وعمل صالحاً فسیحیى حیاةً طیّبةً.

ولا نرى فی هذه الآیة أیّةَ إشارة إلى أنّ «الحیاة الطیّبة» محدودةٌ بیوم القیامة فقط، بل تشیر ظاهراً إلى (الحیاة الطیّبة) فی الدنیا، أو تستوعب المفهوم العام للحیاة فی الدنیا والآخرة.

ولکن ما هی الحیاة الطیّبة؟

إختلف المفسّرون فی تفسیر معنى الحیاة الطیّبة، فبعض فسّرها باللقمة الحلال، وقال آخر أنّها القناعة والرضا بما قسمه الله تعالى، وقال البعض أنّها العبادة مع لقمة الحلال، و قال آخرون أنّها التّوفیق لطاعة الله تعالى، و تبنّى آخرون تفسیرها بالنّظافة من جمیع الأوساخ والأدران، مثل الظّلم و الخیانة والعدوان و الذلّة و الطّهارة و النّظافة و الرّاحة، فکلّها تندرج تحت ذلک المفهوم، ولکن بالنّظر إلى جملة: (وَلَنَجْزِیَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ )، النّاظرة للأجر الاُخروی، یتبیّن أنّ المقصود من کلمة «الحیاة الطیّبة»، هو الإشارة للحیاة السّلیمة فی هذه الدنیا.

—–

«الآیة التاسعة»: تقرر أنّ الإعراض عن ذکر الله تعالى و الغفلة عنه، هو السّبب فی ضَنَک العیش وصعوبة الحیاة، فیقول الله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِکْری فَاِنَّ لَهُ مَعِیشَةً ضَنْکاً وَنَحْشُرُهُ یَوْمَ الْقِیـامَةِ أَعْمى )

و نعلم أنّ ذکر الله و معرفة اسمائه و صفاته المقدسة، هو منبع لکلّ الکمالات، بل هو عَین الکمال، فذِکره سبب لتربیه وترشید الفضائل الأخلاقیّة فی واقع الإنسان، و الصّعود به إلى آفاق معنویّة سامیة، فی عالم التّخَلّق بالأسماء و الصّفات الإلهیّة، و هذا الخُلق هو مصدر الأعمال الصَّالحة، و هو السّبب فی الإنفتاح على الحیاة السعیدة وتطهیرها، و بالعکس، فإنّ الإعراض عن ذکر الله تعالى، یبعده عن مصدر النّور الإلهی، و یقترب به من الخُلق الشّیطانی و الجوّ الظّلمانی، ممّا یؤدی بالإنسان إلى أن یعیش ضنک العیش، و ینحدر فی مُنزلق النّهایة المأساویّة فی حرکة الحیاة، وهذه هی آیةٌ اُخرى تبیّن بصراحة، علاقة الإیمان والأخلاق مع الحیاة الفردیة و الإجتماعیة للبشر.

وقد فسّر بعض أرباب اللّغة، کلمة «معیشة ضنکا»: بالحیاة والمعیشة التی یتکسّب فیها من الحرام، لأنّ مثل هذه المعیشة، هی سبب القَلق و الإضطراب الرّوحی فی کثیر من الاُمور.

و على حدّ تعبیر بعض المفسّرین: إنّ الأفراد غیر المؤمنین، یغلب علیهم الحِرص الشّدید فی اُمور الدنیا، و عندهم عطشٌ مادی لا ینفذ، وخوف من زوال النّعمة، ولأجل ذلک یغلب علیهم البخل، و الصّفات الذّمیمة الاُخرى التی تضعهم فی نار محرقة من الآلام الروحیّة و الضّغوط النفسیة، (بالرغم من توفر الإمکانات المادیّة الکثیرة عندهم).

و عندما یعیشون العمى فی الآخرة; فإنّما هو بسبب العمى فی هذه الدنیا عن السیر فی طریق الحقّ و السّعادة، وغرقهم فی ظلمات الشّهوات المادیّة.

وسنشرح فی نهایة هذا القسم هذه المسألة شرحاً وافیاً.

—–

«الآیة العاشرة»: تتطرق لأحد الآثار السّیئة للعداوة و النّزاع، الموجب لتدمیر عُرى الوحدة و مُصادرة القوّة والقدرة، فتقول: (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِیحُکُمْ ).

ومن البدیهی أنّ المنازعات و الإختلافات فی حرکة الواقع الإجتماعی، إنّما هی من إفرازات الأخلاق الرّذیلة المنحطّة الکامنة فی أعماق النّفس البشریّة مثل: الأنانیّة، التکبّر، الحرص، الحقد، الحسد، وأمثال ذلک من عناصر الشرّ والإنحراف، و یترتب على ذلک توکید عناصر الفشل و الإنحطاط، وزوال عناصر العزّة والقوّة من واقع المجتمع البشری.

والجدیر بالذّکر، أنّ القُرآن عبّر هنا بـ : «تذهب ریحکم».

«الریح» فی الأصل بمعنى «الهواء»، و هی کنایة عن: «القدرة و القوّة والغلبة»، و یمکن إستیحاء هذا المعنى من أنّ الرّیح عندما تُحرّک رایات القبیلة; فانّه یُعدّ مظهراً للقوّة و الغَلبة، وعلیه یکون مفهوم الجُملة; أنّ الإختلاف هو سبب زوال قوّتکم وعظمتکم وقدرتکم.

أو أنّ المفهوم مقتبس من هبوب الرّیاح الموافقة، و التی هی سبب فی سرعة حرکة السّفن للوصول إلى المکان المقصود، و مع إنعدامها تتوقف الحرکة.

ویقول صاحب «التّحقیق»: یُوجد علاقة بین الرّوح و الرّیح، فالرّوح ما یحدث فی ما وراء الطّبیعة، و الرّیح بمعنى الحدوث فی الطّبیعة.

وجاءت کلمة «ریح» فی بعض الموارد، بمعنى العَطر الجمیل، مثل: (إنّی لأجِدُ رِیحَ یُوسُفَ لَولا أنْ تُفَنِّدُون )(3).

وعلى هذا یمکن القول أنّ معنى الجملة هو: أنّ الإتحاد یفضی إلى إنتشار نفوذکم ورائحتکم فی العالم، وإذا ما إختلفتم، فستفقدون نُفوذکم فی العالم.

وعلى أیّة حال فأیّاً کان السّبب فی الإختلاف، سواء کان: (الأنانیّة، الإنتفاعیّة، الحسد، البخل، والحقد و غیرها)، فسیکون له الأثر السّلبی فی الحیاة الإجتماعیّة و تخلّفها، ومن هنا تتجلى علاقة المسائل الأخلاقیة بالمسائل الإجتماعیة فی حرکة الواقع الإجتماعی للبشر.

—–

 


1. سورة الروم، الآیة 41.
2. سورة هود، الآیة 3.
3. سورة یوسف، الآیة 94.

 

2.دور الأخلاق فی الحیاة والحضارة الإنسانیّةالنتیجة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma