الخطوة الخامسة: المعاتبة والمعاقبة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأخلاق فی القرآن 1
2 ـ ما هی معطیات محاسبة النّفس؟الخطوة السّادسة: «النیّة» و«إخلاص النیّة»

بعد «المحاسبة»، یأتی دور المُعاتبة و المُعاقبة للنّفس على أخطائها وأغلاطها، فالحساب بدون إظهار ردّ الفعل، لا فائدة فیه ولا ثمرة، ونتیجته ستکون عکسیةً، بل تحمل النّفس على الجرأة والجسارة و العناد، فی حرکة الحیاة والواقع، فکما یحاسب الرّئیس موظفیه عن تقصیرهم، و یعاقبهم بنوع ما، وکلٌّ حسب حجم تقصیره، فکذلک یفعل السّائرون فی طریق الباری، فإذا ما جَمَحَت بهم أنفسهم یوماً، فسوف یعاقبونها لجرأتها على سیّدها ومولاها.

و أکّد القرآن الکریم على هذه المسألة، فأقسَم بالنّفسِ اللّوامة، لأهمیتها: (لا اُقْسِمُ بِآلنَّفْسِ اللَّوامَة )(1)،(2).

و نحن نعلم أنّ النّفس اللوامة، هی الضّمیر الحی الذی یردع صاحبه عن إرتکاب المعاصی، و هو نوع من العِقاب للنفس.

و من الواضح أنّ العقاب للنفس له درجاتٌ و مراتبٌ، و أوّل ما یبدأ من حالة الملامة، ثمّ یشدّد العقاب، وذلک بحرمان النّفس من بعض اللذائذ الدنیویة لفترة من الزّمن.

و أشار القرآن الکریم، لنموذج رائع حول هذا الموضوع، و ذلک بالنّسبة للثلاثة الذین تخلّفوا فی غزوة تَبوک، و أمر الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله)، الناس بمقاطعتهم فی کلّ شیء، فضاقت علیهم الأرض بما رحبت، فعاقبوا أنفسهم على فعلتهم، و إنشغلوا بالتّوبة، و إنعزلوا عن الناس بالکامل، وبعد مدّة تاب الله تعالى علیهم، ونزلت الآیة الکریمة: (وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِینَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَیْهِمْ الاَْرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَیْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لاَ مَلْجَأَ مِنْ اللهِ إِلاَّ إِلَیْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَیْهِمْ لِیَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِیمُ )(3).

فجملة: «وضاقت علیهم أنفسهم»، ربّما تکون إشارةً إلى مسألة: «معاقبة النّفس»، بالعزلة التی إختاروها لأنفسهم، فقبلها الباری تعالى منهم، وَ ورد فی شأن النّزول للآیة (102) من سورة التوبة: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحاً وَآخَرَ سَیِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ ).

فهی تشیر إلى قصة: «أبو لُبابة الأنصاری»، و هو أحد أصحاب النّبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)، ولکنّه تهاوَن عن نَصرة رسول الله(صلى الله علیه وآله)، فی غزوة تَبوک، و بعدها ندم أشدّ الندم، فأراد أن یُکفّر عن فِعلته، فذهب إلى مسجد النّبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)، وربط نفسه إلى أحد أعمدته، وأقسم أنّ لا یطلق نفسه إلاّ بموافقة الله و رسوله، أو یتوب الله تعالى علیه، فبقی على هذه الصورة حتى تاب الله تعالى علیه، ونزلت الآیة، وصرّحت بقبول الله تعالى لِتوبته.

و من الواضح، أنّ أبا لُبابة کان قد تحرک من موقع مُحاسبة النفس، و مُعاقبتها على فِعلتها، و هو دلیلٌ على أنّ السّیر و السّلوک إلى الله تعالى، کان موجوداً على عهد الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله).

وأمّا جملة: (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَیِّئَاً )، فهی أیضاً ربّما تکون إشارةً لذلک المعنى أیضاً، و أَتحفتنا الرّوایات أیضاً، وأرشدتنا إلى موضوع بحثنا، ومنها:

1 ـ ما ورد عن علی(علیه السلام)، أنّ قال فی أوصاف المتّقین، فی نهج البلاغة:

«إِن اسْتَصْعَبَتْ عَلَیهِ نَفْسُهُ فی ما تَکْرَهُ لَمْ یُعْطِها سُؤلَها فِی ما تُحِبُّ»(4).

و المقصود منه، أن یمنع نفسه فی حالة جموحها، من النوم و الرّاحة و الأکل و الشّرب، لتتأدّب و لتنصاع إلیه.

2 ـ ما ورد فی غُرر الحِکَم، عن ذلک الإمام(علیه السلام) الهمام، أنّه قال: «إِذا صَعُبَتْ عَلَیکَ نَفْسُکَ فاصْعَبْ لَها تَذِلُّ لَک».

3 ـ و عنه(علیه السلام): «مَنْ ذَمَّ نَفْسَهُ أَصلَحَها، وَمَنْ مَدحَ نَفْسَهُ ذَبَحها»(5)

4 ـ و عنه(علیه السلام)، قال: «دَواءُ النَّفْسِ الصَّومُ عَنِ الهوى وَالحَمِیةُ عَنْ لَذّاتِ الدُّنیا»(6).

و یحدّثنا التأریخ عن نماذج کثیرة من أصحاب النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)، و العلماء الکبار، و المؤمنین المخُلصین، الذین إذا مسّهم إغواء الشّیطان، و إرتکبوا بعض الذنوب، کانوا یسارعون فی وضع أنفسهم تحت طائلة العقاب، لئلاّ یتکرّر هذا العمل منهم مرّةً اُخرى فی المستقبل، و منها:

1 ـ ورد أنّ أحد أصحاب النّبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)، و إسمه «ثَعلبة»(7)، کان من الأنصار، و کان یُؤاخی «سعید بن عبدالرحمن»، و هو من المهاجرین، و صاحَبَ سعیدٌ الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله)فی إحدى غزواته، و خَلّف ثعلبة فی المدینة، مُعتمداً علیه فی حلّ مشاکل بیته و عائلته، و ما یحتاجونه من باقی الاُمور المعیشیّة، و فی یوم ما، إحتاجت امرأة «سعید» إلى شیء، فوقفت خلف الباب، تتحدّث مع ثعلبة فی ذلک الأمر، فوسوس له الشّیطان فی ممارسة الإثم، فکشف عن حجابها، فرآها جمیلةً جدّاً،فأراد أن یضمّها إلى صدره، ولکنّها نهرته قائلة له: ما تفعل یا ثعلبة، أمِنَ الحقِّ أن یکون أخوک فی الجِهاد، و أنت تُرید بأهلِهِ السّوء؟!

إنتبه ثعلبةُ من نومه وغفلته، وأیقظه هذا النّداء من غیّه، فَصاحَ وفرّ على وجهه فی البیداء باکیاً، وهو یقول: «إِلَهِی أَنْتَ المُعرُوف بِالغُفرانِ وأَنا المَوصُوفُ بِالعِصیانِ»(8).

فبقی فی الصحراء مدّةً طویلةً مُعاقباً نفسه، مَضیّقاً علیها لِما صدر منه، و فی قصّة طویلة تحکی أنّه عاد بعدها إلى الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله)، وتاب على یده، فنزلت الآیة أدناه لتوکید قبول توبته، وهی الآیة (135) من سورة آل عمران: (وَالَّذِینَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَکَرُوا اللهَ فَآسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ یَغْفِرُ آلذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ یُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ یَعْلَمُونَ ).

2 ـ نقل عن حالات الفقیه الکبیر، المرحوم آیة الله، البروجردی(قدس سره)، عندما کان یجلس للدرس مع طلابه، فربّما بَدَر منه أثناء النّقاش، أن یرفع صوته بالتّوبیخ لأحد طلاّبه، ولم یکن ذلک منه إلاّ من باب المحبّة، و علاقة الأب مع إبنه، فکان یندم مباشرةً و یعتذر، و ینذر للصوم فی غَدِه لیُکفّر عن فعله، رغم أنّه لم یصدر منه ما یخالف الشّرع.

3 ـ نقلُ أحد کِبار عُلماء الأخلاق، عن أحد الوعّاظ، أنّه عندما کان یصعد على المِنبَر للوعظ و الخطابة، و قبل الشّروع کان یُسلّم على الحسین(علیه السلام)، و لا یبدأ بکلامه حتى یسمع الجواب منه(علیه السلام)، هذه الحالة المعنویة، لم تحصل لدیه إلاّ بعد حادثة حدثت له مع أحد الوعّاظ، حیث قَرّر فی یوم من الأیّام مع نفسه، یکسر مجلس ذلک الواعظ المعروف، بإیراده کلاماً أبلغ وأحلى من کلام ذلک الشّیخ، فتنبّه لِخَطئه، و أخذ على نفسه بعدم إرتقاء المنبر لمدّة (40) یوماً، عِقاباً لنفسه على فعلتها تلک، فاُلقی فی قلبه ذلک النّور و تلک الحالة الإلهیّة.(9)

و زبدة الکلام، أنّه وللحصول على النتائج و المعطیات، المرجوّة من المراقبة و المحاسبة، أن یتحرک الشّخص فی عملیة التّزکیة، من موقع معاقبة النفس عند زلَلِها و جُموحها عن الطریق، وإلاّ فلا یمکن تَوخّی النّتائج المطلوبة فی نطاق التّهذیب و التّزکیة، و هذا لا یعنی أننا نُمضی أعمال و فعال بعض الصّوفیین المنحرفین، کما أورد بعضها الغزالی فی کتابه: «إحیاء العلوم»، فما یفعلوه من أعمال خَشنة مُتهوِّرة، و سلوکیات شاذة، فی دائرة معاقبة النفس و جُبران تقصیرها، لا تَمُتّ إلى الدّین بصلة، و قصدنا من المعاقبة، هی أعمالٌ مشروعةٌ فی دائرة المفاهیم الإسلامیّة، کالصّوم، و مخالفة الهوى، و حرمان النفس من بعض لذّاتها المادیة، التی لا تخدش فی سماحة الدین ورأفته، بل هی من اُسسه.

 

و کما یقول المرحوم النّراقی، فی «معراج السّعادة»:

إذا صدرت من الشّخص مخالفةٌ; ما فعلیه تأدیب نفسه و ترویضها، بالعبادات الثّقیلة مثلاً، أو بإنفاق الأموال التی یحبّها ویجمعها، أو یقوم یتجویع نفسه عند أکله لِلُقمة الحرام، أو یؤدب نفسه بالسّکوت، ویمدح الشّخص الذی یغتابه، أو یجبرها بذکر الله تعالى، وإذا إستهان أو استصغر أحداً من الناس لفقره، فلیکرمه بالمال الکثیر، و کذلک الحال فی بقیّة المعاصی، و الموبقات التی صدرت منه، ولکلٍّ بِحَسَبِه»(10).

—–


1. سورة القیامة، الآیة 2.
2. المعروف بین المفسّرین: أنّ «لا» زائدة وللتأکید، والجدیر بالملاحظة أنّه وردت تفسیرات مختلفة «للنفس اللّوامة»، فبعض قال: أنّها إشارةٌ للکفّار و العاصین الذین یلومون أنفسهم فی یوم القیامة، وبعض أشاروا إلیهم فی هذه الدنیا، أنّهم یستحقون الملامة فی الدنیا قبل الآخرة، ولکنّ المعنى: «الوجدان أو الضمیر المستیقظ»، أنسب من الجمیع، و قَسَمٌ القرآن بهاٌ دلیلٌ على أفضلیّتها على باقی الاُمور.
3. سورة التوبة، الآیة 118.
4. نهج البلاغة، الخطبة 193.
5. غُرَر الحِکَم.
6. المصدر السابق، ح 5153.
7. ثعلبة کان إسماً لعدّة من أصحاب النّبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)، و ثَعلبةُ هذا، غیر ثعلبة بن حاطِب الأنصاری، الذی إمتنع عن أداء الزکاة، فطرده الرّسول و المسلمون.
8. ذکرت هذه القصة فی کتب کثیرة، منها خزینة الجواهر، ص320، وکذلک فی تفسیر الفخر الرازی، فی ذیل هذه الآیة، بصورة ملخصة، ج9، ص9.
9. و کذلک قصّة علی بن یقطین، و إبراهیم الجمّال المعروفة.
10. معراج السعادة، الطّبعة الجدیدة، ص703، (مع شیء من التّلخیص).

 

2 ـ ما هی معطیات محاسبة النّفس؟الخطوة السّادسة: «النیّة» و«إخلاص النیّة»
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma