غالباً ما تکون الفضائل الأخلاقیّة، مترابطةٌ فی ما بینها برابطة وثیقة، کما هو الحال فی الرّذائل وعلاقتها الوثیقة مع بعضها، وعلى هذا یصعب التّفکیک والفصل بینها فی الغالب.
و هذا التّرابط قد یکون بسبب الجُذور المشترکة بینها، وربّما یکون بسبب الّثمرات المترتبة علیها ونتائجها فی حرکة الإنسان والحیاة.
و فی القسم الأول، وهو البحث فی الجذور المشترکة بین القیم فی المنظومة الأخلاقیة، لدینا أمثلةٌ واضحةٌ، ففی کثیر من الموارد، تکون الغیبة ولیدة الحسد، ویسعى الحسود دائما لفضح وتعریة محسوده، و الإستهانة بشخصیته من موقع التّهمة والإفتراء و التّکبر، و التّحرک على مستوى تحقیر و تهمیش الآخرین، فکلّ هذه الرّذائل یمکن أن تکون من إفرازات الحسد أیضاً.
و بالعکس، فمن کان یعیش علوّ الهمّة، و سمّو الطبع، فسوف لا یقف فی مقابل الشهوات الرخیصة والطمع فیها فحسب، بل تکون لدیه حصانةٌ ضدّ: الحسد و الکِبر والغرور والتملّق، أیضاً.
و بالنسبة للنتائج و الثمرات، نرى هذا الإرتباط بصورة أوضح، فالکذب یمکن أن یکون مصدراً لأکاذیب اُخرى، و ربّما ولتوجیه أخطائه و ذنوبه، یرتکب الشخص أخطاءً اُخرى، و یتحرک لُممارسة جرائم عدیدة فی عملیّة التّغطیة على جُرمه الأول، وبالعکس، فإنّ العمل الأخلاقی مثل الأمانة، من شأنه أن یولّد المحبّة و الصّداقة والتعاون والإرتباط الوثیق بین أفراد المجتمع.
ویوجد لدینا فی الرّوایات إشارات إلى هذا المعنى، فنقرأ فی حدیث عن مولانا أمیر المؤمنین(علیه السلام)، أنّه قال:
«إذا کَانَ فی الرَّجُلِ خَلَّةٌ رائِعةٌ فانتَظِر أَخَواتِها»(1).
و فی حدیث آخر عن الإمام الصادق(علیه السلام)، أنّه قال:
«إنَّ خِصالَ المَکارِمِ بَعضُها مُقَیَّدٌ بِبَعضِها».
وأشار فی ذیل هذا الحدیث:
«صِدْقُ الحَدِیثِ وَصِدْقُ البَأسِ وإِعطاءُ السَّائِلِ وَالمُکافَاتُ بِالصَّنَائعِ وأَداءُ الأَمانَةِ وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَالتَّوَدُّدَ إِلى الجارِ والصَّاحِبِ وقِرى الضَّیفِ وَرَأسُهُنَّ الحَیاءُ»(2)
وفی الواقع فإنّ الحیاء، و هو روح النّفور من الذّنب و القّبائح، یمکن أن یکون مصدراً لجمیع الأفعال الأخلاقیة المذکورة أعلاه، کما أنّ الصّدق یُقرّب الإنسان للأمانة، و یعمّق فیه روح التّصدی للقبائح، ویثیر فی أعماق وجدانه، عناصر الخیر و المحبّة مع الأقارب والأصدقاء والجیران.
ونقرأ فی حدیثِ ثالث عن الإمام الباقر(علیه السلام)، أنّه قال:
«إِنَّ اللهَ عَزَّوَجَلَّ جَعَلَ للشِّرِّ أَقفَالاً وَجَعَلَ مَفاتِیحَ تِلکَ الأَقفَالِ الشَّراب، وَالکِذْبُ شَرٌّ مِنَ الشَّرابِ»(3).
وفیه إشارةٌ إلى أنّ الکذب، یمکن أن یکون مصدراً لأنواع کثیرة من الآثام و الذّنوب.
و جاء ما یشبه هذا المعنى، فی حدیث عن الإمام العسکری(علیه السلام)، فقال:
«جُعِلَتْ الخَبَائِثُ فی بَیت وَجُعِلَ مِفتَاحُها الکِذْبُ»(4).
ونختم هذا الموضوع، بحدیث عن الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله)، حیث جاء رجل إلى رسول الله(صلى الله علیه وآله)، فقال له: یارسول الله إنّی إرتکبت فی السّر أربع ذنوب، الزّنا و شرب الخمر و السّرقة والکذب، فأَیّتَهُنَّ شِئتَ تَرکتُها لک، (لم یکن یرید أن یقلع عنها أجمع، وإکرماً للرّسول; یرید أن یقلع عن واحدة فقط؟!.
فقال له الرسول(صلى الله علیه وآله): «دَع الکَذِبَ».
فذهب الرجل، وکلما أراد أن یهمّ بالخطیئة، یتذکر عهده مع الرسول(صلى الله علیه وآله)، و یقول ربّما سألنی، و علیّ أن أکون صادقاً فی الجواب، فیجری علیّ الحدّ، و إن کذبت فقد نقضت العهد مع الرسول(صلى الله علیه وآله)، ممّا إضطّره أخیراً لترکها أجمع.
فرجع ذلک الرجل للرسول(صلى الله علیه وآله)، و قال له:
«قَدْ أَخَذتَ عَلیَّ السَّبِیلَ کُلَّهُ فَقَد تَرکتُهُنَّ أجمع»(5).
و نستنتج ممّا ذُکر آنفاً: أنّه فی کثیر من الموارد، ولأجل تربیة و تهذیب النّفوس و الأخلاق، أو لإصلاح بعضها، یجب أن نبدأ من الجُذور، و کذلک الإستعانة بالمقارنات و الأخلاق الاُخرى المتعلقة بها.
—–