تفسیر و إستنتاج

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأخلاق فی القرآن 1
الخُطوة التّاسعة: العبادة و الدّعاء تصقل مرآة القلبالنّتیجة

تتحرک الآیات الآنفة الذّکر، لتؤکّد لنا حقیقةً واحدةً، ألا و هی، أنّ کلّ إنسان یرید الوصول إلى الکمال المطلقُ و یتحرک على مستوى تهذیب النّفس، علیه أنّ یسلک طریق العبادة، فالسّائر فی خطّ الإستقامة و التّربیة، ولأجل أن یبنی نفسه، و یحصل على ملکة التّقوى، علیه أنّ یَعبُد و یَدعو الله تعالى، من موقع العِشق و الشّوق لیوفقه فی ذلک، ویطلب منه العَون، لإزالة شوائب نفسه، لِتّتصل النّقطة بالبحر، و لِتَنْدَکّ ذاته بالذّات الأزلیّة، و یتحول نحاس وجوده، فی بوتقة العِشق، إلى ذهب خالص.

هنا تحرّکت «الآیة الأُولى»، لتخاطب جمیع الناس بدون إستثناء، أن یسلکوا إلى الله من موقع العِبادة، وأرشدتهم لِطریق التقوى، فقالَ تعالى: (یَا أَیُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّکُمْ الَّذِی خَلَقَکُمْ وَالَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ ).

و التّأکید على مسألة الخلقة للأوّلین، لعلها تقع فی دائرة تنبیه العَرب الجاهلین، الذین کانوا یستدلون بعبادتهم للأصنام، بسنّة آباهم، فیقول الباری: إنّنا خلقناکم و الجِبلّة الأولین، نعم فهو الخالق والمالک لکلّ شیء و لا یستحق العبادة أحدٌ إلاّ هو، وإذا ما توجه الإنسان، حقیقةً نحو الباری تعالى، فستتفتح فی جوانحه عناصر الخیر و التّقوى، لأنّ ما یوجد من الشّوائب فی النفس، إنّما هو بِسبب التّوجه لغیر الله، من موقع العبادة الزّائفة.

فهذه الآیة تبیّن معالم الرّابطة والعلاقة الوثیقة، بین العبادة التقوى.

و تطرقت «الآیة الثّانیة»، للحدیث عن عبادة مهمّة، و هی الصّوم و علاقته بالتّقوى، فقال: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَیْکُمْ الصِّیَامُ کَمَا کُتِبَ عَلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ ).

و من المعلوم أنّ الصّوم یُنوّر القلب و یجلوه، بحیث یحسّ معه الإنسان أنّه یعیش القُرب من الحسنات، و البُعد عن السّیئات و القَبائح، والإحصائیات التی ترد فی هذا الشّهر من المصادر المختصّة عن الجرائم، تشیر إلى أنّها تصل إلى أدنى مستوى، فی شهر رَمضان، و أنِّ الشرّطة فی هذا الشّهر المُبارک، یتفرّغون لِلأهتمام باُمور اُخرى، إداریّة عالقة بالأشهر الماضیة!!.

و هذا الأمر إنّ دلّ على شیء، فهوَ یدلّ على أنّ الإنسان، کلّما إقترب من الله تعالى، فی خطّ العبودیّة و الطّاعة، فإنّه یبتعد عن الموبقات و الآثام، و القبائح بنفس المقدار.

—–

 

و أشارت «الآیة الثّالثة»، إلى علاقة الصّلاة بالنّهی عن الفَحشاء و المنکر، و خاطبت الرّسول الکریم(صلى الله علیه وآله)، بإعتباره قدوة واسوة للآخرین، فقالت: (وَأَقِمْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْکَرِ ).

«فالفَحشاء و المنکر»، عبارةٌ عَنْ مجموعة الأفعال غیر الأخلاقیّة، التی تنبع وتنشأ من الصّفات الأخلاقیّة، و النّزعات الشّریرة الموجودة فی مطاوی النّفس البشریة، حیث تؤثّر بدورها فی سلوک الإنسان، و تفرز الأخلاق الظاهریّة لَه، و «الصّلاة» تمثّل أَداةَ ردع لتلک الأخلاق المنحرفة، فی دائرة السّلوک، لأنّ الأذکار و الأدعیة، تعمل على تهذیب النّفس، و ترویضها و تطویعها فی طریقِ الخَیر و الصّلاح، و حالة القُرب من الباری تعالى، هذه هی التی تتولى إبعاد الإنسان عن منبع الشّر و الرّذیلة، الذی هو عبارةٌ عن هوى النّفس و حبّ الدنیا، من خلال الإنفتاح على آفاق المَلکوت، لِتَغرف نفسه من أنوار القُدس، وترتفع به إلى عالم الخلودِ و الکَمالِ المُطلق.

فالمصلّی الحقیقی سیبتعد عن الفحشاء و المنکر لا مُحالة، لأنّ الصّلاة و العِبادة تَصون النّفس من المنکرات، و تحول دون إختراق الرذائل للنّفس الإنسانیة، وتعمل على تَفعیل عناصر الخَیر، فی أعماق الوِجدان.

—–

و تحدّثت «الآیة الرابعة» عن حالة الجَزع و البخل، اللّذان هما من السجّایا الوضیعة فی واقع الإنسان، و خُصوصاً الجَزع فی حالة سیطرة المشکلات و الشّرور، و البُخل فی حالة إنفتاح أبواب الثّراء أمام الإنسان، و إستثنت الآیة المصلّین، و قالت: (إِنَّ الاِْنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَیْرُ مَنُوعاً * إِلاَّ الْمُصَلِّینَ * الَّذِینَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ ).

فهذه الآیات الکریمة، تبیّن لنا بصورِة جیدة، أنّ التّوجه لله تعالى، و السّیر فی خطّ العبادة و الدُّعاء و المناجات، له دورٌ هامّ فی مَحو الرّذائل الأخلاقیّة، من قبیل البُخل و الجّزع من واقع النّفس.

—–

 

و تشیرُ «الآیة الخامسة»، إلى تطهیر النّفس، بواسطة «الزّکاة»، و التی بدورها تُعتبر، من العبادات الإسلامِیَّةِ المُهِمَّةِ، فی دیننا الحنیف، فتقول: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَکِّیهِمْ بِهَا ).

و جُملة: «تُزکیّهم بها»، هی دلیلٌ واضحٌ على هذه الحقیقة، و هی أنّ الزّکاة تعمل على تطهیر النفس، من البَخل و الحِرص و حُبِّ الدنیا، وتزرع فی نفسه صفة الکرم، و حبّ الخیر لِلناس، وتثیر فی نفسه الحرکة، على مستوى حمِایة الفقراء و المحتاجین.

و ما ورد من روایات فی هذا الصدد، تبیّن هذه الحقیقة أیضاً، ومنها الحدیث النبوی الشریف: «ما تَصَدَّقَ أَحَدُکُم بِصَدَقَة مِنْ طَیِّب ـ وَلا یَقْبَلُ اللهُ إلاّ الطّیِّبَ ـ، إلاّ أَخَذَهـا الرَّحمـانُ بِیَمِینِهِ وَإِنْ کانَتْ تَمْرَةً فَتَربُو مِنْ کَفِّ الرَّحمانِ فی الجِنان حَتّى تَکُونَ أَعْظَمَ مِنَ الجَبَلِ»(1).

هذا الحدیث الشّریف یبیّن تلک العلاقة الوثیقة المباشرة، بین هذه العبادة المهمّة و بین توطید العلاقة مع الله تعالى، و تفعیل الحالات المعنویة فی واقع الإنسان ومحتواه الداخلی.

و تتحرک «الآیة السّادسة»، من موقع الإشارة إلى عبادة مهمّة اُخرى، و هی عبادة: «الذِّکر»، للهِ تعالى، و ما لَها من دور فی بعث الطّمأنینة، فی واقع الرّوح فتقول: (الَّذِینَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِکْرِ اللهِ أَلاَ بِذِکْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ).

فالطّمأنینة تقترنُ دائماً مع التّوکل على الباری تعالى; و عدم الوقوع فی أسر المادیّات والاُمور الدنیویّة، من الإنخداع بِبَریق الدُنیا، و الطّمع و البُخل و الحَسد و ما شابهها من الاُمور، فَمع وجود هذه الحالات السّیئة فی واقع النفس، فسوف لن یذوق الإنسان معها الرّاحة و الطّمأنینة.

و علیه، فإنّ ذکر الله تعالى بإمکانه إزالة هذه الصّفات السّلبیة عن القلب، و تطهیر النّفس منها لِتَتَهیأ الأرضیّة المساعدة، فی تَفتّح براعم السّکینة و الطّمأنینة فی واقع القلب و الرّوح.

أو بتعبیر أدق، إنّ جمیع الإضطرابات الرّوحیة، و أشکال القلق النّفسی، فی واقع الذّات البشریّة، ناشئة من هذه الرّذائل الأخلاقیّة، وستزول وتقلع جذورها بذکر الله، الذی یعمل على تسکین روح الإنسان، و تجفیف مصادر القلق هذه، لِتحل محلّها السّکینة والهدوء النّفسی(2).

—–

و أخیراً تناولت «الآیة السّابعة»، دور الصّلاة و الصّیام فی رفع المعنویات، و تقویة عناصر الخیر فی وجدان الإنسان: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اسْتَعِینُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِینَ ).

و قد فسّرت بعض الرّوایات الإسلامیّة الصّبر بالصیام(3)، من حیث کون الصّوم أحد المَصادیق البارزة لِلصبر، و إلاّ فالصّبر له مفهومٌ وسیعٌ یشمل کلّ أنواع المُقاومة، و التّحدی لِلأهواء النّفسانیة و الوساوس الشیطانیة، فی طریق طاعة الله تعالى، وکذلک تَستوعب الآیة حالة الصّبر على المصائب و المحن، التی تصیب الإنسان فی حرکة الواقع.

و قد وَرد فی حدیث عن أمیر المؤمنین(علیه السلام)، أنّه کلّما أهمّه شیءٌ إندفع مُسرعاً نحو الصّلاة، وبعدها یتلو هذه الآیة ثلاث مرّات: «کانَ عَلیٌّ(علیه السلام) إذا أَحالَهُ أَمْرٌ فَزِعٌ قامَ إِلى الصَّلاةِ ثُمَّ تَلا هذِهِ الآیةَ: (و اسْتَعِینُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِینَ )»(4).

نعم فإنّ العبادة ترسخ فی النّفس محاسنها، و تصقلها و تعمل على تفعیل عناصر الخیر فیها، من: التّوکّل و الشّهامة و الصّبر و الإستقامة، و تستأصل الرّذائل الأخلاقیّة من قَبیل: الجُبن و الشّک و الإضطراب و التّوتر النّاشیء من حالات الصّراع، وحبّ الدنیا وتزیحها عن واقع النّفس، وبهذا تحیی العبادة فی واقع النّفس، شطراً مُهمّاً من الفضائل الأخلاقیة، وکذلک تقوم بإلغاء الکثیر من عناصر الشّر، و قوى الإنحراف و الرّذیلة من وجود الإنسان.

 


1. صحیح مسلم، ج2، ص702، طبع بیروت.
2. للتفصیل یرجى مراجعة التفسیر الأمثل، ذیل الآیة الآیة الشریفة المبحوثة.
3. مجمع البیان، ج1، ذیل الآیة 45 من سورة البقرة، التی تشابه الآیة التی نحن فی صددها، وتفسیر البرهان، ج1، ص166، ذیل 153، سورة البقرة، ففی حدیث عن الصّادق(علیه السلام)، قال فی الآیة «الصّبرُ هُو الصّوم»: بحار الأنوار، ج93، ص294.
4. اُصول الکافی، (طبقاً لنقل المیزان، ج1، ص154).

 

الخُطوة التّاسعة: العبادة و الدّعاء تصقل مرآة القلبالنّتیجة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma