یوجد طریقان لِمُعالجة حالة الرّیاء، فالرّیاء مَثَلُه کَمَثَلِ سائر الأخلاق السلبیّة و السّلوکیّات الذّمیمة، ففی بادىء الأمر، علینا التّرکیز على معرفةِ العِلَل، و جذور هذه الحالة السّلبیة فی الواقع النّفسی، لأجل القضاء علیها، ثم التّحرک نحو دراسة عواقبها المؤلمة، و الکشف عنها فی عملیّة التّصدی لها، و توخی جانب الحَذر منها.
بالطّبع لقد أشرنا آنفاً، أنّ الرّیاء هو: «الشّرک الأفعالی»، و الغفلة عن حقیقة التّوحید، فإذا ما تأصلت حقیقة التّوحید الأفعالی فی قلوبنا، و إستحکمت فی نفوسنا، و إستیقنّا أنّ العزّة لله جمیعاً، من موقع المشاهدة الوجدانیة، و رأینا أنّ الرّزق والضرّ و النّفع بیده و هو المسخّر للقلوب، فسوف لن نختار سواه بدلاً، ولن نُدنّس أنفسنا و أفعالنا بحالة الرّیاء الشّنیعة، التی لا تنسجم مع خطّ التّوحید فی دائرة الأفعال، فالذی یعیش الیقین الرّاسخ بهذه الحقیقة، و هی أنّ مَنْ یکون مع الله تعالى، یکون کلّ شیء معه، و بدونه فهو لا شیء، ویرى بعین البصیرة، مِصداق قوله تعالى: (إِنْ یَنْصُرْکُمْ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَکُمْ وَإِنْ یَخْذُلْکُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِی یَنْصُرُکُمْ مِنْ بَعْدِهِ )(1).
وإذا أدرکنا هذه الحقیقة القرآنیة التی تقرر أنّ العزّة لله تعالى: (أَیَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ للهِِ جَمِیعاً )(2).
أجل إذا ترسّخَ الإیمان بهذه الحقائق الإیمانیّة فی أعماق الرّوح، فلا یجد الإنسان فی نفسه باعثاً على الرّیاء و النّفاق، و کسب الجاه والمقام لدى الناس و المُفاخرة و المُباهاة.
و قال بعض علماء الأخلاق، إنّ دعامة الرّیاء وأساسِه هو حبّ الجاه و المُقام، و عند تحلیلنا لمفهوم الرّیاء، نجد أنّه یتکون من ثلاثة أرکان:
«حبّ الثّناء والمدح من الناس»، و «الفرار من مذمّتهم»، و «الطّمع لِما فی أیدیهم».
ثم یضرب لذلک مثلاً و هو المجاهد فی سبیل الله، فتارةً یکون قصدُه المُباهاة و المفاخرة، و إظهار شجاعته وبطولاته للناس، واُخرى خوفاً من أن یتّهمه الناس بالجُبن و الخوف، و ثالثةً یکون دافعه الحصول على الغنائم، و الفائز الوحید، هو الذی یدافع عن الحقّ و الدّین لا غیر.
هذا من جهة، و من جهة اُخرى، عندما یتأمل الإنسان فی سلبیات الرّیاء و أضراره ونتائجه القاتلة، نرى أنّه کالنّار التی تقع على عبادات الإنسان و طاعاته، فتحوّلها إلى رماد تذروه الرّیاح، ولا یقتصر الأمر على ذلک فحسب، بل هو ذنبٌ عظیمٌ یسوّد وجه صاحبه فی الدّنیا و الآخرة...
الرّیاء: حشرة الإرضة التی تَنخر دَعامات بیت سعادة الإنسان، لینهار به فی واد سحیق من الشّقاء و الظلاّم..
و الرّیاء بدوره نوعٌ من أنواع الکفر و النّفاق و الشّرک...
و الرّیاء یسحق الشّخصیّة و الحریّة و الکرامة، و أشدّ النّاس بؤساً یوم القیامة، المراؤون.
فهذه حقائقٌ تردع الإنسان، و تبعده عن ذلک الأمر الشّینع.
و لا ننسى أنّ المرائی سیفتَضِح، إن عاجلاً أو آجلاً فی هذه الدّنیا، و ستظهر حقیقته الزّائفة على فلتات لسانه و شَطحات کلماته، وهذا العامل له قسطٌ من التأثیر فی عملیّة الرّدع النّفسی، لحالة الرّیاء فی واقع الإنسان، مضافاً إلى أنّ لذّة العمل الصالح، و النیّة الطیّبة التی تطرأ على الإنسان، لا تقاس بشیء، و هو أمرٌ یکفی لإخلاص النیّة.
و یعتقد البعض، أنّ إحدى طرق المعالجة، هی السّعی إلى إخفاء العبادات و الحسنات، و لا یُمارسها فی العلن، لیتخلّص تدریجیّاً من هذه العقدة المستعصیّة فی الذّات المرائیّة.
ولکن هذا لا یعنی، عدم الحضور فی صلاة الجَماعة و الجُمعة و الحج، لأنّها تعدّ أیضاً خسارةً کُبرى لا تُعوّض.
—–