الخُطوة الاُخرى، هی العبادة و الدّعاء، و لأجل التّعرف على دور، العِبادة و الدّعاء فی بناء و تهذیب النّفوس، علینا أولاً التّعرف، على حقیقة ومفهوم العبادة و الدّعاء.
الواقع أنّ الحدیث عن هذا الموضوع، طویلٌ وعریضٌ، وقد تناوله العلماءُ، العظماءُ، فی کتبهم الأخلاقیّة والتفسیریّة و الفقهیّة، بصورة مُفصّلة ووافیة، ولکن یمکن القول و بإختصار شدید: علینا قبل معرفة حقیقة العبادةِ و مفهومها، أوّلاً أن ندرس مفهوم کلمة «عبد»، و هی الأصل و الجَذر اللّغوی، لکلمة: «العِبادة».
«العبُد» لُغة تُطلق على الإنسان، الذی لا حول له ولا قوّة، فی مقابِل مولاه، فإرادته تابعةٌ لإرادة مَولاه، ولا یملک شیئاً فی عرضِ ما یملکه مولاه، و لا حقَّ له فی التّقصیر فی طاعة سیّده.
و علیه فإنّ العبودیة، هی آخر وأقصى مراحل الخُضوع والخُشوع، فی مقابل السیّد، حیث إنّ کلّ شیء فی حیاته یراهُ من هبته و إنعامه و إکرامه، ومن هنا یتبیّن لنا بوضوح، أنّه لا أحد یستحقّ هذه الدّرجة من العِبادة، و یکون مَعبوداً سوى الله تعالى، فهو الفَیض اللاّمتناهی الذی لا ینقطع أبداً.
و من بُعد آخر، أنّ «العُبودیّة»: هی قمّة و نهایة التّکامل المعنوی، للرّوح فی حرکة التّکامل المعنوی للإنسان، و غایةُ ما یطمح إلیه الإنسان، من حالة القُرب من الله تعالى، و التّسلیم المُطلق لِلذات المُقدسة، فالعبادة لا تنحصر بالرّکوع و السّجود و القیام و القُعود، بل إنّ روح العِبادة هی التّسلیم المطلق لله تعالى، و لذاته المُقدسة و المَنزّهة من کلٍّ عیب و نقص.
و من البدیهی أنّ العبادة، هی أفضل وسیلة للرّقی المعنوی، و تحصیل الکَمال المطلق، فی حرکة الإنسان والحیاة، وتقف حائلاً أمام کلّ رذیلة، فإنّ الإنسان یسعى لِلقُرب من معبوده، لِتَتَجلى فی نفسه إشعاعاتٌ من نور قُدسه و جَلاله و جَماله، و یکون مظهراً و مرآةً لصفات الجمال و الکَمال الإلهیّة، فی واقعه النّفسی و سلوکه العملی.
و فی حدیث عن الإمام الصادق(علیه السلام)، أنّه قال: «العبُودِیّةُ جَوهَرَةٌ کُنْهُها الرُّبُوبِیَّةُ»(1).
و هو إشارة لتلک الإنعکاسة الربّانیة، التی تتجلّى فی العبد جرّاء العِبادة الخالصةِ، المنفتحة على الله، حیث یصل بواسطتها إلى درجات من الرّقی و الکمال، بحیث یمکنه معها السّیطرة على الکَون، و یکون صاحبٌ بالولایة التَّکوینیّة، أو هو: کالحدید الأسود، الذی یحمّر جرّاء مجاورته لِلنار، وهذه الحرارة و النّورانیة لیست من ذاته، لکنّها من معطیات تلک النار.
و منها نعود لِلقرآن الکریم، لنستوحی ممّا فیه من آیات حول العبادة، و ما لها من دور فی تنمیة الفضائل الأخلاقیة:
1 ـ (یَا أَیُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّکُمْ الَّذِی خَلَقَکُمْ وَالَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ )(2).
2 ـ (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَیْکُمْ الصِّیَامُ کَمَا کُتِبَ عَلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ )(3).
3 ـ (وَأَقِمْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْکَرِ )(4).
4 ـ (إِنَّ الاِْنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَیْرُ مَنُوعاً * إِلاَّ الْمُصَلِّینَ * الَّذِینَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ )(5).
5 ـ (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَکِّیهِمْ بِهَا )(6).
6 ـ (الَّذِینَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِکْرِ اللهِ أَلاَ بِذِکْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )(7).
7 ـ (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اسْتَعِینُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِینَ )(8).