تفسیر و إستنتاج

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأخلاق فی القرآن 1
5 ـ دور الثّقافة الإجتماعیّة فی تربیة الفضائل والرذائلعلاقة الآداب و السّنن بالأخلاق فی الرّوایات الإسلامیّة

ما نستوحیه من الآیات الکریمة محلّ البحث، هو أنّ ثقافة الأقوام والاُمم السّالفة، لها دورٌ فاعل فی تربیة و نمو الصفات الأخلاقیّة، أیّاً کانت، فإذا کانت الثّقافة السّائدة بمستوى مرموق، فمن شأنها أن تفرز لنا أفراداً ذوی صفات حمیدة و أخلاق عالیة، والعکس صحیح، والآیات الکریمة السّابقة الذّکر، تُشیر إلى المعنیین أعلاه.

ففی «الآیة الاُولى»: نقرأ قول الأقوام السّالفة، الّذین یعیشون الإنحراف، و یمارسون الخطیئة من موقع الوضوح فی الرؤیة، فإذا سُئلوا عن الدّافع لمثل هذه التصرفات الشائنة، و السلوکیات المنحرفة، قالوا بلغة التّبریر: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَیْهَا آبَاءَنَا... ).

ولم یکتفوا بذلک بل تعدّوا الحدود، و قالوا: (وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا ).

بناءً على ذلک، فإنّهم إتخذوا سُنّة الّذین مَضوا من قبلهم دلیلاً على حسن أعمالهم، ولم یخجلوا من أفعالهم القبیحة، على مستوى النّدم و الإحساس بالمسؤولیّة، بل کانوا یعطوها الصّبغة الشرعیّة أیضاً.

—–

«الآیة الثّانیة»: طرحت نفس المعنى ولکن بشکل آخر، فعندما کان الأنبیاء یدعون أقوامهم إلى الشریعة الإلهیّة النّازلة من عند الله تعالى، کانوا یتحرّکون فی المقابل من موقع العناد و التکبّر، و یقولون بِغرور: (سنتّبع سنّة آبائنا).

ولم یکن سبب ذلک، إلاّ لأنّهم وجدوا آبائهم یؤمنون بها و یتّبعونها، و بذلک لبست ثیاب القداسة و إعتبروها دیناً فی حرکة الحیاة والواقع، فهی عندهم أفضل من آیات القرآن الکریم، و شرائع الباری تعالى: (وَإِذَا قِیلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَیْنَا عَلَیْهِ آبَاءَنَا )، وعلیه، فلماذا فضّلوا العمل بسنّة الجهلاء، على إتّباع آیات الوحی الإلهی؟.

و یضیف القرآن الکریم قائلاً: (أَوَلَوْ کَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ یَعْقِلُونَ شَیْئاً وَلاَ یَهْتَدُونَ ).

—–

وَوَرد فی «الآیة الثّالثة»: الکلام عن السّنن وعادات الأقوام أیضاً، و دور الثّقافة الخاطئة فی صیاغة الأعمال المتقاطعة مع الأخلاق، ففی بیان یشابه الآیات الماضیة، نقرأ قصّة إبراهیم وعبدة الأصنام فی بابل، فعندما کان یلومهم إبراهیم(علیه السلام)لعبادتهم الأصنام التی لا تضرّ و لا تنفع، کانوا یقولون بصراحة: وجدنا آباءنا لها عاکفین: (إِذْ قَالَ لاَِبِیهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ الَّتمَاثِیلُ الَّتِی أَنْتُمْ لَهَا عَاکِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِینَ ).

فأجابهم إبراهیم(علیه السلام) بأشدّ الکلام و أغلظه، بقوله: (وَقَالَ لَقَدْ کُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤکُمْ فِی ضَلال مُبِین ).

ولکن وللأسف الشدید، إنتقل هذا الضّلال المبین إلى الأجیال، جیلاً بعد جیل، فأصبح جزءاً من ثقافتهم، و أکسبه توالی الزّمن علیه مسوح القداسة، فلم یمح قبحه فحسب، بل أصبح من إفتخاراتهم على المستوى الحضاری و الدّینی.

—–

«الآیة الرابعة»: توحی لنا نفس المعنى، ولکن بشکل آخر، ففی معرض جوابهم على السّؤال القائل: لماذا تعبدون هذه الأصنام رغم أنّکم تعیشون سلامة العقل؟، تقول الآیة على لسانهم: (بَلْ قالُوا إِنّا وَجَدنا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ).

فلیس أنّهم لم یعتبروا هذه الحماقة، ضلالةً فحسب، بل إعتبروها هدایةً و فلاحاً، و رثوه عن آبائهم الماضین، وذکرت «الآیة التی بعدها» أنّ هذا هو طریق ومنطق کلّ المترفین على طول التاریخ، وقالت: (وَکَذَلِکَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ فی قَرْیَة مِنْ نَذِیر إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ).

و من البدیهی أنّ ذلک التقلید الأعمى، الذی کان یظهر جمیلاً فی ظلّ تلک القبائح، له أسبابٌ کثیرةٌ و أهمّها تبدّل ذلک القُبح إلى سُنّة و ثقافة بمرور الزّمن.

و ورد نفس هذا المعنى فی الآیة (103 و 104) من سورة المائدة، فقد إبتدع عرب الجاهلیّة بدَعاً ما أنزل الله بها من سلطان، فکانوا یحلّون الطعام الحرام ویحرّمون الطعام الحلال، وکانوا یتمسکون بالخرافات و العادات السیئة، و لا یقلعون عنها أبداً، و یقولون: (حَسْبُنا ما وَجَدنا عَلَیهِ آبائَنا ).

و یتبیّن ممّا تقدم من الآیات الکریمة، تأثیر العادات الخاطئة و السّنن البائدة، فی قلب الاُمور رأساً على عقب، بحیث یضحى الخطأ صواباً فی الواقع الأخلاقی والفکری لدى النّاس.

—–

و فی «الآیة الخامسة»: یوجد موضوع جدید بالنّسبة لِدَور العادات و السّنن فی تحول القیم الأخلاقیّة، و هو: أنّ قوم لوط الذین سوّدوا وجه التّأریخ بأفعالهم الشّنیعة، (و لِلأسف الشّدید، نرى فی عصرنا الحاضر، أنّ الحضارة الغربیّة أقرّت تلک الأفعال على مستوى القانون أیضاً)، فعندما دعاهم لوط(علیه السلام)، والقلّة من أصحابه، إلى التّحلی بالتّقوى و الطّهارة فی ممارساتهم وأفعالهم، تقول الآیة أنّهم إغتاظوا من ذلک بشدّة: (وَمَا کَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْیَتِکُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ یَتَطَهَّرُونَ ).

فالبیئة الملوّثة، و السّنن الخاطئة و الثّقافة المنحطّة أثّرت فیهم تأثیراً سلبیاً، ممّا حدى بهم إلى إعتبار الطّهارة و التّقوى جنایةً، و الرّذیلة والقبائح من عناصر العزّة و الإفتخار، و من الطّبیعی، فإنّ الرذائل تنتشر بسرعة فی مثل هذه البیئة، التی تعیش أجواء الإنحطاط و الخطیئة، و تندرس فیها الفضائل کذلک.

—–

«الآیة السادسة»: تقصّ علینا قصّة وأدِ البنات الُمریعة فی العصر الجاهلی، ولم یکن سبب ذلک سوى تحکیم الخُرافات و السّنن الخاطئة فی واقع الفکر والسلوک لدى الأفراد، فقد کانت ولادة البنت فی الجاهلیّة عاراً على المرء، و إذا ما بُشّر أحدهم بالاُنثى یظلّ وجهه مسودّاً من فرط الألم، و الخجل، على حدّ تعبیر القرآن الکریم(1): (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالاُْنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ کَظِیمٌ * یَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَیُمْسِکُهُ عَلَى هُون أَمْ یَدُسُّهُ فِی التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا یَحْکُمُونَ ).

و لا شکّ أنّ القتل من أقبح الجرائم، و خصوصاً إذا کان القتیل طفلاً ولیداً جدیداً، ولکن السّنن الخاطئة والتقالید الزائفة، التی کانوا علیها مَحَقت القُبح من هذه الجریمة النّکراء، و جعلت منها فضیلةً.

و بالنّسبة لوأد البنات الفضیع، جاء فی بعض التّفاسیر: أنّ البعض من هؤلاء الجاهلین، کانوا یستخدمون اُسلوب الدّفن للبنات، و بعض یغرقونهن، والبعض الآخر کانوا یفضّلون رمیهنّ من أعلى الجبل، وقسم آخر کانوا یذبحون بناتهم(2)، وأمّا بالنسبة لظهور هذا الأمر عند العرب، و تأریخه والدافع الأصلی له، فقد وردت أبحاثٌ مفصّلة لا یسع المقام لذکرها الآن(3).

والکلام فی کیفیّة تمهید الطریق للرذائل الأخلاقیّة، من خلال تلک السّنن الخاطئة، و العادات الزّائفة، وکیف تحلّ الرذائل مکان الفضائل، هو دلیلٌ و شاهدٌ آخر على أنّ الثّقافة تُعتبر من الدّواعی المهمّة لتفعیل عناصر الفضیلة، أو تقویة قوى الإنحراف و الرذیلة، فی واقع الإنسان، و بالتّالی فإنّ أوّل ما یتوجب على المصلحین، فی حرکتهم الإصلاحیة، هو إصلاح ثقافة المجتمع والسیر بها فی خط العقل و الدّین.

و نرى فی عصرنا الحاضر ثقافات زائفة، لا تتحرک بعیداً عمّا کان فی عهد الجاهلیّة، حیث أضحت مصدراً لأنواع الرذائل الأخلاقیّة فی حرکة الحیاة الإجتماعیة، و قد إنعقد فی السّنوات الأخیرة مؤتمراً عالمیاً فی بکین عاصمة الصین، و شارک فیه أغلب دول العالم، ونادى فیه المشارکون بالعمل لتثبیت ثلاثة اُصول، و أصرّوا علیها من موقع إحترام حقّ الإنسان وهی:

1 ـ حریّة العلاقات الجنسیّة للمرأة.

2 ـ الجنسیّة المثلیّة.

3 ـ حرّیة إسقاط الجنین.

و قد واجهت هذه الاُمور معارضةً شدیدةً من قبل بعض الدول الإسلامیة، و منها الجمهوریة الإسلامیة.

و من الطبیعی، عندما یُدافع نواب الدّول المتحضّرة عن مثل هذه الاُمور الشنیعة، تحت ذریعة الدفاع عن حقوق المرأة، فأیّة ثقافة سوف تظهر للوجود؟، و أیّة رذائل ستنتشر فی المجتمع؟، الرذائل التی لا تضرّ بالمسائل الأخلاقیّة للناس فحسب، بل و ستؤثر أیضاً على حیاتهم الإجتماعیّة و الإقتصادیّة، من موقع إهتزاز المبادىء الإنسانیّة فی منظومة القیم.

—–

«الآیة السابعة»: تستعرض علاقة الفضائل بثقافة المحیط والبیئة، فما وردنا من أحادیث عن الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله)، تبیّن مدى الرّقی الأخلاقی الذی حصل فی المجتمع المظلم آنذاک، نتیجة النّهضة الفکریّة و الأخلاقیّة التی جاء بها الإسلام إلى ذلک المجتمع، فیقول القرآن الکریم: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِینَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْکُفَّارِ رُحَمَاءُ بَیْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُکَّعاً سُجَّداً یَبْتَغُونَ فَضْلا مِنْ اللهِ وَرِضْوَاناً سِیَماهُمْ فِی وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ  ).

و عبارة: «فالذین معه»، لا تحصر هذه المعیّة فی زمانِ خاصٍّ، و مکان معیّن، بل تمتد إلى المعیّة فی القیم الأخلاقیّة، و الأفکار الأنسانیّة، فکلّ من یقبل تلک الثّقافة الإلهیّة المحمدیّة یکون من مصادیق الآیة.

—–

 


1. قال بعض المفسّرین: بناءً على العلاقة الوثیقة بین القلب والوجه، فإذا ما فرح الإنسان، یتحرک الدّم الشّفاف نحو الوجه ویصبح الوجه مضیئاً ونورانیاً، وعندما یهتم ویغتم الإنسان فإنّ الدورة الدمویة تقل سرعتها ویصفّر الوجه ویسود، وتعتبر هذه الظاهرة، علامةً للفرح أو الحُزن: (تفسیر روح المعانی ... ذیل الآیة الشریفة).
2. تفسیر روح المعانی، ج14، ص154، فی ذیل الآیة المبحوثة.
3. تفسیر الأمثل، ذیل الآیة 58 من سورة النحل.

 

5 ـ دور الثّقافة الإجتماعیّة فی تربیة الفضائل والرذائلعلاقة الآداب و السّنن بالأخلاق فی الرّوایات الإسلامیّة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma