5 ـ هل ینسجم الخلود مع العدل الإلهی ؟ !

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء السادس)
4 ـ هل أنّ الخلود نوعی أم شخصی تمهید

إنّ أهم اعتراض یُطرح فی مسألة الخلود وهو فی الحقیقة الاعتراض الأساس فیه ـ هو عدم التناسب بین الذنب وبین العقوبة ، فیقال: کیف نرضى بأنّ یتعذب الإنسان الذی أساء فی کل حیاته وهی مائة عام على أکثر تقدیر وکان خلالها یتخبط فی الکفر والمعاصی ویعاقب مدّة ألف ملیون عام ؟

هذة القضیة لا تثیر أی اعتراض طبعاً فی ما یخص النعم الإلهیّة الخالدة فی الجنّة إذ لا عجب من فضل الله ورحمته وجزائه الأوفى، فرحمته قد وسعت کل عالم الوجود ، أمّا فی مجال العقاب فینبغی أن یکون هناک تناسباً بین الجریمة والعقاب ، وإن اختل ذلک التناسب والتوازن فذلک ما لا یتسق والعدل الإلهی ، والخلاصة أنّ مائة سنة من الکفر والذنوب تستوجب مائة عام من العقوبة لا أکثر .إنّ استعصاء هذا الاعتراض على الحل قد دفع ببعض الجماعات إلى تأویل آیات الخلود واعتبارها تعنی طول المدّة أو أنّه الخلود النوعی لا الشخصی أو أنّه الاعتیاد على تلک الأوضاع وأمثال ذلک ممّا سبق القول فیه ، لکن وکما قلنا سابقاً فإنّ هذه التأویلات واهیة جدّاً ولایمکن التعویل علیها ولاتنسجم قطعاً مع آیات الخلود .

الجواب :إنّ الذین یطرحون هذا الاعتراض یغفلون عن نقطة أساسیة وهی الفارق الموجود بین العقوبة الوضعیة والعقوبة التکوینیة التی هی النتیجة الطبیعیة للأعمال أو الحیاة فی محیط تلک الأعمال.

وتوضیح ذلک: إنّ المقنن : قد یسُن أحیاناً قانوناً یقول فیه إنّ من یرتکب المخالفة الفلانیة فعلیه أن یدفع مقداراً من المال کغرامة مالیة أو یُسجن مدّة من الزمن ، فمن البدیهی فی مثل هذا الموقف أن یکون هناک تناسب بین «الجریمة» و «العقاب»، فلا یمکن أن تُقَرّر مثلاً عقوبة الاعدام أو السجن المؤبد للمخالفة البسیطة، وبعکس ذلک فمن غیر المعقول تحدید عقوبة القتل بسجن یوم واحد ، فالحکمة والعدالة تستوجب التناسب الکامل بین تلک الحالات .لکن العقوبات التی هی فی الحقیقة الآثار الطبیعیة للعمل وتعتبر من خاصّیته التکوینیة أو نتیجة حضور ذات العمل أمام الإنسان ، لا تقر مثل هذه الأقوال سواءً بشأن آثار العمل فی هذا العالم أم فی العالم الآخر .فلو قیل مثلاً، إنّ من یخالف تعلیمات المرور ویقود سیارته بسرعة عالیة ویتسابق بلا مبرر ویجتاز المناطق الممنوعة قد یتعرض وبسبب عدّة لحظات من المخالفة ـ إلى اصطدام عنیف یؤدّی إلى کسر یدیه ورجلیه ویبقى مقعداً طوال عمره، فهنا لا یستطیع أحد أن یقول إنّ هذه النتیجة المریرة غیر عادلة ازاء هذه المخالفة البسیطة لأنّ من المسلّم به أنّ أمثال هذه العقوبات لیست من وضع إدارة المرور حتّى یؤخذ بنظر الاعتبار التناسب بین المخالفة والعقوبة ، بل هو الأثر الطبیعی للعمل الذی فعله الإنسان بإرادته وأوقع نفسه فیه .وکذلک الحال، إذا قیل بضرورة اجتناب المشروبات الکحولیة أو المخدرات لأنّها تتلف القلب والمعدة والمخ والاعصاب خلال فترة وجیزة ، ولکن لو تعمد أحد تناولها واُصیب بضعف الأعصاب الشدید وبأمراض القلب والشرایین والقرحة کل ذلک فی مقابل الفسق والمجون لأیّام معدودة ، أو یبقى إلى آخر عمره یعانی من شدّة الألم والعجز والضعف، ففی مثل هذا الحال لا یمکن لأحد أن یتحدث عن عدم التناسب بین الذنب وآثاره وجزائه.ولو افترضنا أنَّ هذا الشخص قد عَمّر فی هذه الدنیا بدل المائة عام ألف عام أو ملیون عام ، فینبغی علیه تحمل العذاب والألم طوال هذه المدّة المدیدة ازاء عدّة أیّام قضاها فی اللهو والمجون .

أمّا فی ما یخص العقوبات الأخرویة فالمسألة أعمق من هذا بکثیر ، فالآثار التکوینیة للأعمال ونتائجها بالغة الأهمیّة و قد تبقى ملازمة للإنسان إلى الأبد ، بل إنّ ذات العمل (کما ذکر فی موضوع تجسّد الأعمال) یتجسد أمام الإنسان وبما أنّ ذلک العالم خالد ، فإنّ الأعمال الصالح منها والطالح تبقى خالدة مع الإنسان وتکون وسیلة إمّا لشقائه أو لسعادته .وقد ذکرنا سابقاً أنّ ثواب وعقاب یوم القیامة یتصف بالآثار التکوینیة وخواص العمل الذی أتى به الإنسان فی الدنی ، کمایقول القرآن الکریم :(وَبَدَا لَهُمْ سَیِّئَاتُ مَاعَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّاکَانُوا بِهِ یَستَهزِئُونَ ). (الجاثیة / 33)وجاء فی قوله تعالى: (وَلا تُجْزَونَ إِلاَّ مَاکُنتُمْ تَعمَلُونَ ) . (یس / 54)وورد نفس هذا المضمون مع قلیل من الاختلاف فی آیات اُخرى عدیدة .وبناءً على هذا لا یبقى هناک أی مجال لطرح هذا التساؤل وهو: لماذا لم یؤخذ بنظر الاعتبار التناسب بین الذنب والعقوبة ؟ینبغی أن یحلّق الإنسان فی سماء السعادة بجناحی «الإیمان» و «العمل الصالح» لینال نعیم الجنّة الأبدی ولذّة القرب الإلهی ، فإن کان قد کسر جناحیه فی لحظة من لحظات المجون أو خلال المائة سنة التی قضاها فی هذه الدنی ، فعلیه أن یعیش إلى الأبد فی الذلة والشقاء ، فالقضیة هنا لیست قضیّة الزمان والمکان وحجم الجریمة ، بل هی قضیة العلة والمعلول، آثاره قصیرة المدى وبعیدة المدى ، فقد یکفی عود واحد من الثقاب لاحراق مدینة بأکمله ، وقد یؤدّی غرام واحد من بذور الشوک إلى تغطیة صحراء واسعة بالاشواک بعد مدّة وجیزة ویکون سبباً دائمیاً فی ایذاء الإنسان ، کما قد تکفی عدّه غرامات من بذور الورد إلى تغطیة صحراء شاسعة بأجمل الورود واشذاها رائحة تفوح منها العطور فتملأ النفوس والقلوب بهجة وارتیاح .فإن قال قائل ما التناسب بین عود الثقاب وإحراق مدینة بأکمله ؟ وما العلاقة التناسبیة بین عدّة بذور من الشوک أو من الورد وبین الصحراء الفسیحة ؟فهل هذا السؤال منطقی ؟ من المؤکد ، کل .

فأعمالنا الصالحة والطالحة على هذا النمط أیضاً، فقد تخلّف وراءها آثاراً خالدة واسعة وکبیرة، (فتأمل) .والمسألة المهمّة هنا هی أنّ الله تعالى القادة الربانیین والأنبیاء العظام وأوصیاءَهم کانوا یحذروننا باستمرار من أنّ نتیجة أمثال هذه الذنوب هی العذاب الأبدی ، ونتیجة الأعمال الصالحة هی النعمة الأبدیة الخالدة . تماماً کالبستانی الماهر الذی یبیّن لنا مسبقاً الآثار الواسعة التی تنتج عن بذور الورد أو الشوک ، ونحن الذین نختار مسارنا بوعی خلال هذا الطریق .فهل نلوم أحداً فی هذه الحال ؟ ولمن نؤاخذ ؟ وعلى من نعترض سوى على أنفسن ؟إلى هنا ینتهی موضوع الثواب والعقاب وجوانبه المختلفة .

 

4 ـ هل أنّ الخلود نوعی أم شخصی تمهید
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma