زنزانات جهنّم الانفرادیة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء السادس)
ریاح مهلکه ، وظلال محرقة لماذا یکون العذاب الإلهی شدیداً إلى هذا الحد ؟

یواجهنا فی الآیة الرابعة نموذج آخر من العقاب المتنوع الذی یلقاه أهل النّار إذ تقول : (وَاِذَا أُلقُوا مِنْهَا مَکَاناً ضَیِّقاً مُّقَرَّنِینَ دَعَوا هُنَالِک ثُبُوراً ) .

فیقال لهم لا فائدة من صیاحکم وصراخکم هذا فهو لا ینفع شیئ ، فمصائبکم جمّة تستحق الثبور والویل : (لاَّ تَدعُوا الیَومَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً کَثِیراً ) .

ویتضّح جیداً من هذا التعبیر أنّهم لیسوا أحراراً حتّى فی جهنّم فهم فی ما یشبه الزنزانات مقیّدون بالاغلال والسلاسل حتّى تتعالى أصواتهم ولکنّها لا تحلّ لهم أیّة مشکلة .

کلمة «مقرنین» مأخوذة من المصدر «قرْن» ، وتعنی فی الأصل کما قال الراغب فی ـ المفردات: اجتماع شیئین أو أکثر لسبب من الأسباب ، ولهذا یطلق على الحبل الدی تُربط به الأشیاء «قَرَن» على وزن کلمة (وَطَن) وُیقال «قَرْن» للقوم والجماعة الذین یعیشون فی زمان واحد ، ویُطلق أحیاناً على الزمن لوحده ، وحینما تدخل هذه الکلمة فی باب التفعیل فذلک دلالة على الکثرة والشدّة .

ولهذا فقد جاء أحیاناً تفسیر کلمة «مقرنین» فی هذه الآیة بمعنى شد وتوثیق أیدی وأرجل أهل النّار ، وقال آخرون أیض : یربط أهل النّار فی ذلک الیوم جماعات جماعات بسلسلة طویلة وهذا تجسید للارتباط الفکری والعملی للمجرمین الذین کانوا یتعاونون فی هذه الدنیا على الفساد والظلم والعدوان على حقوق المظلومین ویتآمرون علیهم .

ولکن لو التفتنا إلى عبارة «مکاناً ضّیقاً» لوجدنا التفسیر الأول هو الأنسب ، وهذا أیضاً تجسید لأعمالهم فی هذه الدنیا حین کانوا یزجّون بالأبریاء فی الزنزانات ویقیّدونهم بالسلاسل، أو یفرضون علیهم مثل هذه القیود فی الحیاه الاجتماعیة فیصبحون کالسجناء مسلوبی القدرة على أیّة حرکة .

«الثبور»: فی الأصل بمعنى الهلاک رغم أنّ صاحب «مقاییس اللغة» قد ذکر له ثلاثة معان وهی : الهلاک ، والمراقبة ، واللین . ولذا یقال للأرض المتراکم ترابها فوق بعضه کالنورة «ثَبرة» .

ولکن قد تکون کل تلک المعانی راجعة فی الأصل إلى معنى الهلاک ، لأنّ اجتیاز مثل هذه الأراضی لایخلو من الخطورة ،، ولما کان الإنسان یشدد فی حمایة نفسه وممتلکاته فی المواقف الحرجة لذا فقد استخدمت هذه الکلمة بمعنى المراقبة أیض ، وعلى أیّة حال فانَّ العربی عندما کان یواجه أمراً خطیراً کان ینادی «واثبوراه» ومعناه: واویلتاه لقد هلکت وهذا مایعکس شدّة الأذى والشعور بالألم .

ولعل التعبیر :(لاَّ تَدعُوا الیَومَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً کَثِیراً )، فیه إشارة إلى العوامل المتعددة للهلاک أو شدّة أو طول مدّة هذه العوامل فی جهنّم ، وعلى أیّة حال فهذا أیضاً تجسید لأعمالهم التی کانوا یمارسونها فی هذا العالم وما کانوا یرتکبونه من ذنوب وما یسبّبونه لعباد الله من المصائب والمآسی وما یفتحونه علیهم من أبواب الهلاک من کل صوب .

ونلاحظ فی الآیة الخامسة وجه آخر من وجوه هذا العذاب الألیم ، فتقول : (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ ) ولهذا :(وَهُم فِیهَا کَالِحُونَ ) .

کلمة «تلفح»: مأخوذة من المصدر «لَفْح» على وزن (فَتْح) وتعنی على قول معظم أصحاب اللغة تأثیر حرارة الشمس والنّار والریاح السموم على الوجه وتغییره ، وتُطلق هذه الکلمة أیضاً على ضربة السیف لشباهتها بضربة حرارة الشمس ولهیب النّار وریاح السموم .

وتُستخدم أحیاناً کلمة «نفح» بدلاً من کلمة «لفح» على المراحل الأخف .

و«کالحون»: مشتقة من «الکلوح» ومعناها حسب ما یراه الکثیر من أهل اللغة والمفسّرین هو التعبیس والتقطیب ، بینما تبقى الشفاه مفتوحة وهذه الحالة تحصل على وجوه أصحاب جهنّم بسبب شدّة لهیب النّار وهی تمثّل فی مجموعها وصفاً لتأثیر ضربات لهیب النّار على وجوههم وهو أمر مؤلم جدّاً على تلک الوجوه التی کانت کثیراً ما تقطب بوجوه المستضعفین ، والشفاه التی تبقى منفصلة عن بعضها للاستهزاء بهم والانتقاص منهم بضحکات السخریة .

إنّ هذه الأعمال القبیحة المؤلمة تتحول فی نهایة المطاف إلى عذاب ألیم لهم .

وفی القسم السادس من هذه الآیات یطالعنا نمط جدید من الجزاء الذی یتعرض له هؤلاء ، إذ تقول الآیة إنّهم یطلعون سریعاً على نتائج أعمالهم وحینه : (اذِ الاَْغلاَلُ فِى اَعنَاقِهِمْ وَالسَّلاَسِلُ )، ثم تضیف الآیة : (یُسْحَبُونَ * فِى الحَمِیمِ ثُمَّ فِى النَّارِ یُسْجَرُونَ ) .

«الاغلال»: جمع «غل» ، «والسلاسل» جمع «سلسلة» واختلافهما هو أنّ الغل حلقة توضع فی رقبة أو أیدی وأرجل السجناء والسلسلة هی ما یوثق أو یشد به السجناء أو توضع مباشرة على الید والرجل والرقبة .

وکلمة «یُسحبون» مأخوذة من المصدر «سَحْب» على وزن (سَهْل) ولهذا السبب یُقال للغیوم «سحاب» لأنّها تنسحب على صفحة السماء على نطاق واسع (4) .

ویرى بعضهم أنّ هذه الکلمة تعنی السحب على الأرض (5) وهذا مالا یتّسق والآیة موضع بحثن ، ولا مع بعض مشتقاتها ککلمة السحاب .

واُشتقت کلمة «یُسجرون» من المصدر «سَجْر» وهو على وزن (زَجْر) وجاء لها ثلاثة معان فی کتاب مقاییس اللغة وهی : المل ، والمزاح ، والاذکاء . لکن بعضهم یُرجع هذه الفروع الثلاثة إلى أصل واحد ویقول : المعنى الأصل لها هو الهیجان والتساقط من شدّة الامتلاء ، ولهذا اُطلقت کلمة «مسجور» و «سجیر»على النّار المذکاة أو المتّقدة وعلى البحر الطافح الموّاج ، وعلى الصدیق الحمیم الذی یفیض بالمحبّة والاثارة .

واستناداً إلى ما سبق ذکره ، فهم یُغلّون ویُشدّون بالسلاسل أولاً ومن ثم یدخلون فی الماء الحار المحرق ثم فی النّار ، ومن الواضح أنّ ادخالهم فی النّار بعد الماء الحار سیکون أشدّ ألم .

وهذا تجسید لأعمالهم التی کانوا یمارسونها بحق الأبریاء فی الدنیا إذ کانوا یذیقونهم أبشع صنوف العذاب ، حیث یصادرون حرّیاتهم ویسحبونهم بالسلاسل والأغلال .

نستخلص من مجموع هذه الآیات أنّ عقوبات أهل النّار هی ممّا لا یسع لها الوصف ، ولا یتحملها أشدّ الناس قوّة وجلد ، إنّها عقوبات أشد ما تکون من القسوة والإیلام .


1. جاء « قاموس اللغة » إنّ کلمة « السموم » تُطلق على الریاح الحارّة التی تهب فی النهار وهی فی مقابل « الحرور » وهی الریاح اللیلیة الحارّة .جاء الفخر الرازى فی تفسیره : إنّ السموم هی الریاح المتعفّنة التی عندما یستنشقها الإنسان یتعفن قلبه فیهلک . ( التفسیر الکبیر، ج 29، ص 198 ) .
2. یبدو أن تنکیر النّار هنا لتبیان عظمته .3. تفسیر نور الثقلین، ج 1، ص 494 ، ح 314 .
4. مقاییس اللغة ; ومصباح اللغة ; ومفردات الراغب .
5. التحقیق فی کلمات القرآن الکریم ; وتفسیر المیزان فی ختام الآیة موضع البحث .

 

ریاح مهلکه ، وظلال محرقة لماذا یکون العذاب الإلهی شدیداً إلى هذا الحد ؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma