لعل منکری الوجود الحالی للجنّة والنّار یتمسکون باعتراضین أحدهما عقلی والآخر نقلی ، أمّا الاعتراض العقلی فهو أن إیجادهما قبل القیامة لغو وعبث ، لأنّه مامن أحد یدخل الجنّة أو النّار قبل حساب یوم القیامة ویبدو هذا شبیهاً لمن یبنی قبل الف عام داراً لمن یأتی بعد ألف عام ، ألیس هذا عبث ؟ !
والجواب على هذا الاعتراض واضح وهو أنّ هذه القضیة کما سبق منّا القول فیه ـ تترک تأثیراً تربویاً على الناس ، فالله سبحانه وتعالى یرید أن یُفهم الناس أنّ الثواب العظیم غیر مؤجّل ولا العقاب الألیم ، بل کلاهما حاضر ، ویبدو هذا الفعل شبیهاً بتهیئة مجموعة من الجوائز فی بدایة العام الدراسی للطلبة الذین یحوزون فی نهایة العام على أعلى الدرجات بل وقد نضعها معروضة أمام أنظارهم ونقول لهم هذه المکافأة لمن یبذل أقصى الجهد فی الدراسة ، أو یبدو شبیهاً بإعداد السجن والمشنقة مقدّماً للقتلة والجُناة .
ومن البدیهی أنّ مثل هذا العمل لا یُعَدُّ عبث ، بل له آثار عمیقة أیضاً فی الجانب التربوی ، ولکن بما أنّ الجنّة والنّار محجوبتان عن أهل الدنیا بسبب الحجب الموجودة حافظت الآیات القرآنیة والأخبار النبویة فی هذا الصدد على ذلک التأثیر .
والاعتراض الآخر هو علمنا بأنّ ( کُلُّ شَىء هَالِکٌ اِلاَّ وَجْهَهُ ) فی نهایة هذا العالم، ویمکن تقدیم عدّة إجابات على هذا الاعتراض .
الأول : إنّ المقصود من «کل شی» هو الدنیا بأجمعها وما یتعلق بها، أمّا معنى «الهلاک» فلا یصدق على الجنّة والنّار فهما من الأشیاء الباقیة والمستثناة من الهلاک فوق العالم المادی أو فی باطنه ، وهما خارج نطاق الدنیا الفانیة .
الثانی : إنّ «الوجه» المستثنى یشمل جمیع الاُمور التی تنتسب إلیه بقوّة بحیث تُعتبر داخلة ضمن مفهوم «الوجه» وبما أنّ الجنّة والنّار هما مظهر رحمته وغضبه وموضع الثواب والعقاب فهما داخلتان ضمن الاستثناء طبع .
الثالث : إنّ «الهلاک» یعنی انعدام المستفیدین من الشیء کالدار العامرة التی یموت أهلها وتبقى بلا وارث ، فهذه الحالة تسمّى أحیاناً بالهلاک .
