قِیل أحیان : إنّ أصحاب الحجیم یُعّذبون بعد دخولهم فی نار جهنّم بمقدار المدّة التی قضوها وهم مشرکون فی هذه الدنی ، ولکن بعد انتهاء هذه المدّة یتحول عذاب جهنّم إلى نعیم بالنسبة لهم لأنّه یصبح أمراً متناسباً مع طبیعتهم حتى أنّهم لو دخلوا الجنّة شعروا بعدم الارتیاح ، والسبب فی ذلک هو عدم تناسبها مع طبیعتهم ، إنّهم یتلذذون بما هم فیه من نار وزمهریر وما فیها من لدغ الحیات والعقارب کما یلتذ أهل الجنّة بظلال أشجار الجنّة والحور والقصور وطوبى والکوثر ، وفی هذا العالم نرى البلبل یطربه أریج الزهور فی حین أنّ بعض الحشرات القذرة تلتذ وتنتشى بروائح القمامة الکریهة (1) .
هذا الوهم یشکل نقطة مقابلة للوهم السابق أیضاً ویتناقض معه ، وهو فی نفس الوقت لا یتّسق مع أی من الآیات التی تؤکّد خلود العذاب ، لاسیّما وأنّ بعضها قد صَرّحت بأنّه (کُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُودًا غَیْرَهَا لِیَذُوقُوا الْعَذَابَ). (النّساء / 56)
والتهدید بالخلود فی النّار هو تهدید بالعذاب الدائم ، ولو أنّه تحّول إلى نعمة خالدة لما کان یتصف بالتهدید .
إنّ مثل هذه التفسیرات بشأن الخلود تدل على أنّ أصحابها لم یجهدوا أنفسهم بالقیام بدراسة دقیقة أو حتّى دراسة إجمالیة لتلک الآیات القرآنیة ، ولو أننا أعدنا قراءة تلک الآیات لتبیّن مقدار التناقض بینها وبین هذا الکلام الفارغ القبیح .
إضافة إلى ذلک، یجب الالتفات إلى أنّ اعتیاد الإنسان على الآلام له حدود ، فبعض الآلام طفیفة یعتاد علیها الإنسان بمرور الزمن . لکن لو نقص الماء فی جسم الإنسان مثلاً فانّه یعانی العطش ، ویتعذر علیه عندئذ الاعتیاد على ذلک ، کأن یکون بدنه یحتاج إلى الماء وهو لا یشعر بالعطش !.