أبدیة العذاب

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء السادس)
عذاب الخلد النتیجة

طرحت الآیة الثالثة مسألة أبدیة العذاب فی جهنّم لفئة من أصحاب الجحیم ، ولکن بتعبیر آخر یمتاز بصراحة أکثر ، فتقول : (فَأَمَّا الَّذِینَ شَقُوا فَفِى النَّارِ لَهُم فِیهَا زَفِیرٌ وَشَهِیقٌ * خَالِدِینَ فِیهَا مَادَامَتِ السَّموَاتُ وَالأَرضُ ) ، وفی الختام تستثنی فتقول : (اِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّکَ اِنَّ رَبَّکَ فَعَّالٌ لِّمَا یُرِیدُ ) .

(من البدیهی أنّ السماء والأرض لن یکون لهما وجود آنذاک ، وأنّ السموات والأرض اللتین تتحدث عنهما الآیات القرآنیة ، تقومان بعد زوال الأرض والسماء الحالیتین ، وهما خالدتان إلى الأبد) .

قال البعض: إنّ هذا التعبیر فی اللغة العربیة کنایة عن الأبدیة ، إذ یوجد فی اللغة العربیة الکثیر من التعابیر المستخدمة بمعنى الأبدیة . مثل «مالاح کوکب» أو مثل ماورد فی کلامه (علیه السلام) حین اعترض علیه الجهلة بسبب تقسیمه بیت المال بالتساوی وکانوا یطمعون فی أن یمیز بین الناس فی العطاء کما کان یفعل الخلیفة الثالث ظناً منهم أنّ هذا الاسلوب سیُسهم فی تثبیت رکائز حکمه ، فقال لهم الإمام (علیه السلام) : «أتأمُرُنىّ أن اطلب النصر بالجور فیمن ولیّت علیه ، والله لا أطور به ما سَمَر سمیر وما أمَّ نجم فی السماء» (1) .

و یلاحظ فی شتّى اللغات تعابیر من أمثال هذه ففیها دلالة على الاستمراریة والدوام والأبدیة .

ویبقى هنا سؤال واحد وهو: إن کانت الآیة أعلاه تعنی أبدیة العقوبة فما مفهوم الاستثناء الوارد فی نهایتها وهو «إلاّ ماشاء ربّک» ؟ فالذی یبدو من ظاهر هذا الاستثناء على أقل تقدیر هو عدم أبدیة العذاب لفئة معینة منهم ، بل ویحتمل أیضاً شموله لهم جمیع ، وستکون النتیجة معکوسة فی مثل هذه الحالة .

وقد نقل بعض المفسّرین من أمثال المفسّر الکبیر المرحوم الطبرسی فی مجمع البیان عشرة أوجه لهذا الاستثناء عن علماء التفسیر ، إلاّ أننا تجنّبنا نقلها هنا لضعفها وعدم أهمّیتها (والظاهر أنّ المرحوم الطبرسی لم ینقلها لاقتناعه بها، ولکن من باب ذکر جمیع الآراء) ونکتفی بذکر مایستحق الاهتمام منها فقط وهو :

أوّل : إنّ الهدف من ذکر هذا الاستثناء هو تبیان حاکمیة الله وقدرته المطلقة ومشیئته الکاملة ، فلا تظنوا أنّ هذا الخلود یتحقق بدون إرادته ، وإن شاء فهو على کل شیء قدیر ولکن إرادته قضت بتخلید هذه الطائفة من أهل جهنّم فیه .

ولهذا ورد نفس هذا التعبیر بشأن أهل الجنّة فی الآیات السابقة له ، فتقول الآیة فی نفس الوقت : (عَطَاءً غَیْرَ مَجْذُوذ ) . (هود / 108)

وتُظهر هذه الجملة بوضوح أنّ المقصود من الاستثناء من الأشیاء لیس هو قطع العذاب أو النعمة بل لمجرّد تبیان قدرة الله .

وثانی : إنّ المقصودین بالاستثناء هم الذین لا یستحقّون الخلود فی العذاب کالمؤمنین المذنبین الذین یبقون فی النّار لمدّة من الزمن ، فیتطهرون من ذنوبهم ، ومن ثم یذهبون إلى الجنّة ، وجملة «إلاّ ماشاء الله» هنا تختص بهذه الطائفة ، أمّا الکفرة فسیبقون فی العذاب (وهم کما یُقال جزء من المستثنى منه لا المستثنى) .

ونفس هذا الاعتبار یُطرح أیضاً بشأن أصحاب الجنّة ، فهم أیضاً خالدون فیها إلاّ المؤمنین المذنبین منهم والذین کانوا سابقاً فی جهنّم ثم جاؤا إلى الجنّة .

وعلى کل حال فهذا الاستثناء لا یخلق أیّة مشکلة فی دلالة الآیة على أبدیة العذاب .

تصّرح الآیة الرابعة بمسألة الخلود وعدم تخفیف العذاب للمجرمین وتؤکد أیضاً أنّ الله سبحانه وتعالى لم یظلمهم بل هم الذین ظلموا أنفسهم :(وَنَادُوا یَامَالِکُ لِیَقضِ عَلَینَا رَبُّکَ قَالَ اِنَّکُم مَّاکِثُونَ ) .

کلمة المکث جاءت هنا بشکل مطلق وغیر محدود وهذه دلالة اُخرى على خلود عذابهم (2) .

لذلک یصرّح المرحوم الطبرسی فی مجمع البیان بأنّ کلمة «ماکثون» هنا تعنی «دائمون» ، ورغم أنّ الآیة المذکورة لم تبیّن هل أنّ مالکاً أجابهم مباشرة أم بعد مدّة من الزمن ، إلاّ أنّ جماعة من المفسّرین قالوا: أنّ هذا الجواب یأتیهم بعد مدّة للامعان فی تحقیرهم والاستخفاف بهم . فقال بعضهم: أنّ الجواب یرد بعد أربعین عام ، وقال آخرون بعد مائة عام ، ونُقِل عن ابن عباس أنّه قال: إنّ هذا الرد السلبی یأتیهم بعد ألف عام (3) ، من أجل أن یظلّوا فی الانتظار لمدّة أطول ویتحمّلوا العناء وذل الاستهانة !

وتظهر الآیة بوضوح عدم وجود الموت فی ذلک العالم ، بل هم دوماً أحیاء یعیشون فی الألم والعذاب .

ویطالعنا فی الآیة الخامسة تعبیر یتحدث عن «عدم الخروج من النّار» بشکل مطلق ، وهو تعبیر آخر یحکی حقیقة خلود العذاب ، وتصف الآیة نفور المتَّبَعین من المتّبِعین فی قوله : (کَذَلِکَ یُرِیهِمُ اللهُ اَعُمالَهُم حَسَرات عَلَیْهِم وَمَا هُمْ بِخَارِجِینَ مِنَ النَّارِ ) .

نعم هؤلاء لا یجنون سوى الندم على مامضى ، والحسرة على ما کانوا یقومون به من تقلید أعمى وطاعة مطلقة لقادة الضلال ، والتأسف على العمر الذی مَرَّ هدر ، وعلى الأموال التی جُمعت من الحرام وتُرِکت یتنعم بها الآخرون ، وعدم استغلال فرص التوبة التی اُتیحت لهم، ولکنها حسرة وندم لا طائل من ورائهما لأنّ فرص العودة قد مضت وإمکانیة التعویض لن تأتی ثانیة .

یقول المرحوم العلاّمة الطباطبائی فی تفسیر المیزان ، عند تفسیره لهذه الآیة : وهذا دلیل ضد من یعتقد بنهایة عذاب جهنّم .


1. نهج البلاغة، الخطبة 126 .
2. «المکث» یعنی البقاء المصحوب بالانتظار «کما قال الراغب فی مفرداته» ، وکلمة المکث تطلق أیضاً على التوقف المؤقت ، إلاّ أنّها عندما تذکر مطلقة وبلا قید أو شرط، فهی تعنی التوقف الدائمی .
3. تفسیر الکبیر، ج 27 ، ص 227 ; وتفسیر القرطبی، ج 9، ص 5937 ، نقل أیضاً فی تفسیر مجمع البیان مسألة الأربعین عاماً والألف عام.

 

عذاب الخلد النتیجة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma