الآیة العاشرة ناظرة إلى مسألة «میزان الأعمال»، قال تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِینَ الْقِسْطَ لِیَومِ القِیَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَیْئاً... ) .

فکل شیء یوزن بهذا المیزان کبیراً کان أو صغیراً حتى وإن کان بمقدار حبة من خردل فسوف یأتی به الله تعالى للحساب .

و«حبّة الخردل» : حبة صغیرة جدّاً خفیفة الوزن وتضرب بها الأمثال لصغر حجمها وخفتها، وهی إشارة إلى أصغر الأعمال أی کل شیء فی میزان حتى صغائر الأعمال.

«موازین» : جمع میزان وهو الوسیلة لقیاس الأشیاء ، وهذا التعبیر یدل على أنّ فی ذلک الیوم لا یوجد میزان واحد للأعمال بل هناک عدّة موازین، قیل: من الممکن أن یکون لکل إنسان ،أو اُمة أو عمل، میزانٌ ، فالصلاة مثلاً توزن بمیزان وکذلک الصیام والحج والجهاد أی لکل واحد منها میزان خاص .

وقیل : إنّ المیزان هو واحد لا أکثر(1)، والدلیل على هذا القول بعض الروایات فی هذا المجال (وسنعرض لها لاحقاً) وما صیغة الجمع (موازین) إلاّ لبیان عظمة المیزان حیث یعادل آلاف الموازین ، ولکن وکما سنتطرق إلى ذلک ـ لا یوجد أی دلیل على هذا التفسیر الذی یخالف ظاهر الآیة بل هناک عدّة أدّلة على تعدد الموازین .

وما یجب معرفته هنا، هو أنّ میزان القیامة هو کالموازین الدنیویة، فلکل میزان کفتان ولکن یختلف عنها بکبره وعظمته ؟

وإذا کان الأمر کذلک فکیف توزن الأعمال وهی لا وزن لها؟

هناک عدّة آراء فی هذا المجال :

فقیل: إنّ ما یوزن هو صحیفة الأعمال ، وقیل : إنّ الأعمال تتجسّم یوم القیامة . ویصبح لها وزن .

والخلاصة أنّ الذین یعتقدون بأن موازین القیامة تشبه موازین هذه الدنیا قد اجبروا على القول إنّ هناک نوعاً من الأوزان والاثقال حتى یمکن وزنها بمثل هذه الموازین .

ولکن القرآن یدلّل على أنّ المقصود بالمیزان هو وسیلة لقیاس الأوزان بمعناها العام وذلک لأننا نعلم أنّ لکل شیء وسیلة وزن تناسبه ، فمثلاً وسیلة قیاس الحرارة یقال لها میزان الحرارة أو المحرار، ووسیلة قیاس الهواء «میزان الهواء» أو المحرار أیض .

وبناءً على ذلک فإنّ المراد بـ (موازین الأعمال) الوسائل التی بها تقاس أعمال الأخیار والأشرار. وکما ینقل المرحوم العلاّمة المجلسی عن الشیخ المفید(رحمهما الله): «أنّ أمیر المؤمنین والائمّة من ذرّیته (علیهم السلام) هم الموازین»(2) .

وقد نقل فی (اصول الکافی ومعانی الأخبار) عن الإمام الصادق (علیه السلام) أنّ شخصاً سأل الإمام الصادق (علیه السلام) عن معنى هذه الآیة ، فقال : «هم الأنبیاء والأوصیاء »(3).

ونقرأ فی احدى الزیارات المطلقة لأمیر المؤمنین (علیه السلام) قوله : «السلام على میزان الأعمال»(4) .

فهذه الشخصیات العظیمة هی موازین الأعمال، فالأعمال التی تشابه أعمال هذه الشخصیات تعتبر ثقیلة فی المیزان والأعمال التی لا تشابه أعمالهم تعتبر خفیفة أو لا وزن لها أصلاً، فأولیاء الله هم موازین الأعمال فی هذه الدنیا ولکن تبرز وتتجسد هذه المسألة فی العالم الآخر.

ومن هنا اتضح الجواب عن سبب ورود (الموازین) بصیغة الجمع لکون هؤلاء العظماء متعددین .

وهناک روایات ومسائل اُخرى فی مجال (میزان الأعمال) وسوف نتعرض لها فی فقرة التوضیحات .

الآیة الحادیة عشرة جاءت مکملة ومفسرة لموضوع میزان الأعمال :

(وَالْوَزْنُ یَومَئِذ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِینُهُ فَأُوْلَئِکَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِینُهُ فَأُولَئِکَ الَّذِینَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا کَانُوا بِآیَاتِنَا یِظلِمُونَ ) .

والجدیر بالذکر أنّ الله سبحانه وتعالى جعل لکل إنسان عدداً من الموازین ، وهذا التعبیر یؤید التفسیر الذی یقول: إنّ لکل عمل میزان ، وهناک احتمال : أنّ لکلٍّ من الروح والجسم والأقوال والأفعال میزاناً خاصاً وهذا المعنى على فرض أنّ الموازین جمع میزان، فی حین یرى البعض أنّ موازین جمع موزون (یعنی الشیء الذی یوزن وهی نفس أعمال الإنسان) ، فمن المسلم أن یکون لکل إنسان والحالة هذه موازین ، أی أنّ له أعمال متنوعة توزن فی ذلک الیوم ، لکن هذا المعنى یبدو بعیداً نظراً لذهاب أغلب أرباب اللغة والمفسرین إلى أنّ الموازین جمع میزان، وقد دلّت الروایات السالفة الذکر على أنّ الموازین بمعنى وسائل لقیاس الوزن ، وبناءً على هذا یکون ثقل الموازین بسبب ثقل الأعمال التی توضع فیه .

وهناک بحث آخر حول میزان العدل فی یوم القیامة سنتطرق إلیه فی فقرة التوضیحات.

1. تفسیر روح المعانی، ج 17، ص 50 ـ 51 .
2. بحار الأنوار، ج 7، ص252 .
3. تفسیر البرهان، ج 3، ص 61 ; اصول الکافی، ج 1، ص 419 وقد ورد نظیر هذا الحدیث فی تفاسیر اُخرى.
4. المرحوم المحدِّث القمی فی کتابه (مفاتیح الجنان) ولقد أورد هذه الزیارة . کزیارة أولى من الزیارة المطلقة.