1 ـ هل أنّ التکرار یولد الملّل؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء السادس)
جنّة أم جنان ؟2 ـ أتعرف قیمة اللذة بفقدانه ؟

یعترض البعض قائلاً: إنّ ما یُستشف من الآیات والروایات یشیر إلى أنّ النعم فی الجنّة ونمط الحیاة فیها یسیر برتابة وعلى وتیرة واحدة ، ونحن نعلم أنّ هذا الوضع ولاسیما إذا استمر لمدّة طویلة ـ یثیر الملل ویطفیء شعلة الشوق والحماسة والنشاط ، لأنّ تکرار أجمل المشاهد وأحلى المناظر وأطیب الأطعمة یضفی علیها مسحة طبیعیة ویجعل منها وضعاً عادی ، حتى أنّ الإنسان قد یلجأ أحیاناً إلى أسالیب حیاتیة أبسط أو أکثر مشقّة من أجل کسر طوق الرتابة والملل وممارسة التجدید والتنوع ، وللاجابة عن هذا السؤال ینبغی الالتفات إلى ثلاث نقاط :

الاُولى : یجب عدم تطبیق المقاییس والمعاییر المادیة والنفسیة السائدة فی هذا العالم على ذلک العالم ، فلعل هذه الحالة النفسیة الموجودة فینا وهی سرعة التعب والضجر واللامبالاة فی هذا العالم قد تکون على العکس تماماً هناک ، فکلما تکررت المشاهدة ازداد الشوق وتضاعفت الرغبة ، ومع تزاید التکرار تزداد اللذة ، فیکون التکرار مدعاة لمضاعفة اللذّة المعنویة والمادیة .

فما هو الدافع الذی یجعلنا نتصور أنّ الوضع النفسی للإنسان فی هذا المجال واحد هنا وهناک ؟

الثانیة : توجد فی هذا العالم أیضاً نِعمٌ لا یملّها الإنسان ولا یشبع منه ، فنحن کلما تنفسنا هواءً طلقاً جدیداً وملیئاً بالاوکسجین ، لا نملّه ولا نضجر منه ، بل نلتذ به ویثیر فینا البهجة والارتیاح ، وکذلک الماء هذا المشروب البسیط فلو أننا عمّرنا مئات السنین یبقى شرب الماء العذب عند العطش من أعظم اللذات بالنسبة لن ، وهذا هو معنى قولنا إنّ طعم الماء هو طعم الحیاة ، فلا یبعث فینا الملل ولا الضجر بل یبقى الماء العذب مستساغاً ولذیذاً فی أفواه العطاشى .

فما المانع فی أن یجعل الله لدى الإنسان حالة شبیهة بحالة العطش (العطش اللذیذ الخالی من الازعاج والأذى ، مثل العطش للقاء المحبوب) لکی یلتذ الإنسان بواسطتها من النعم الروحیة والجسمیة الموجودة فی الجنّة ؟

الثالثة : لما کانت ذات الله وصفاته غیر متناهیة ، فلا شکّ أنّ مظاهره الروحیة والمعنویة لا نهایة لأمده ، فهو یفیض علیهم فی کل یوم بألطاف جدیدة ویمدّهم فی کل لحظة بهدایة متجددّة لا تکرار فیها ولا رتابة وهل یمکن أن یتکرر ما لا نهایة له ؟

والنعم المادیة هی من مظاهر رحمانیّته ورحیمّیته ، ولا حد لها ولا حصر .

فما المانع فی أن تکتسب أنهارُ الجنّة وأشجارها وأزهارها وتلک الألوان والعطور وتلک الأشربة الطاهرة ، لوناً وطعماً وشکلاً وعطراً جدیداً فی کل یوم وفی کل ساعة ؟ فألوانها فی حالة تبّدل دائم وهی فی تغیّر مستمر ، تکتسی على الدوام بحلل جدیدة بحیث لا یتکرر الطعام الواحد ولا المشهد الواحد على أهل الجنّة إلاّ مرة واحدة طوال حیاتهم فیه ! (فیاله من مشهد عجیب !).

هناک بعض الآیات القرآنیة والروایات التی تؤکّد ما ورد فی هذا الباب منها:(کُلَّ یَوم هُوَ فِى شَأْن ) . (الرحمن / 29)

وقد طرح المفسرون آراءً کثیرة متنوعة فی تفسیر هذه الآیة ویشیر کل واحد منها إلى فعل من أفعال الله فی مسألة خلق الناس وموتهم أو رزقهم وحیاتهم أو عزّة ومذّلة الاُمم والأقوام أو غفران الذنوب وکشف الهموم أو جلب النفع ودفع الضر ، ولا شکّ أنّ لهذه الآیة مفهوماً أوسع یشمل أی تغییر یطرأ على أوضاع العالم ، ونظراً لانعدام الدلیل على تخصیص هذه الآیة فی مجال الدنی ، بل وإنّ مجیئها بعد الآیة الشریفة : (کُلُّ مَنْ عَلَیهَا فَان * وَیَبقَى وَجْهُ رَبِّکَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِکرَامِ ) . (الرحمن / 26 ـ 27)

یمکن اعتباره قرینة على استمراریة التغیر والتبدّل فی الدار الآخرة أیض ، وأنّ أصحاب الجنّة کل یوم فی شأن بإرادة الله .

وقد اطلق بعض المفسرین عبارة «کل یوم» وأعطاها عمومیة أوسع لتشمل أیّام الدنیا والآخرة کلیهما مع (1) .

جاء فی حدیث عن الإمام الصادق(علیه السلام) أنّه قال : «إنّ الله خلق جنّة لم ترها عین ولم یطّلع علیها مخلوق، یفتحها الرب تبارک وتعالى کل صباح فیقول : إزدادی طیب ! إزدادی ریحاً»(2).

وورد حدیث آخر أیضاً عن الإمام الباقر(علیه السلام) : «إنَّ أهل الجنّة توضع لهم موائد علیها من سائر ما یشتهون من الأطعمة التی لا ألذّ منها ولا أطیب ، ثم یرفعون عن ذلک إلى غیره» (3).

تُظهر هذه التعبیرات وبکل وضوح أنْ لا رتابة فی الحیاة هناک ، بل فی کل لحظة نِعم وعطایا جدیدة .

نختم حدیثنا هذا بإشارة مقتضبة لأحد المفسرین حیث قال : «إنّ الآیة تشیر إلى تجلّی الحق فی کل زمن فرد ونفس فرد على حسب المتجلّى له واستعداده ولا نهایة للتجلّیات» (4) .

ولا شک فی أنّ هذا الکلام لا یشمل کل مفهوم الآیة ، بل یعبّر عن جزء من مفهومها (فتأمل) ! ؟


1. تفسیر روح المعانی، ج 27، ص96 .
2. بحار الأنوار، ج 8، ص 199 ، ح 198 .
3. المصدر السابق، ح 199 .
4. تفسیر روح البیان، ج 9 ، ص300 .

 

جنّة أم جنان ؟2 ـ أتعرف قیمة اللذة بفقدانه ؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma