جمع الآیات وتفسیرها

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء السادس)
تمهید تمهید

کعرض السموات والأرض :

لقد قدرت الآیة الاُولى سعة الجنّة بعرض السموات والأرض بقوله : (سَابِقُوا اِلَى مَغفِرَة مِّن رَّبِّکُمْ وَجَنَّة عَرضُهَا کَعَرضِ السَّمَاءِ وَالاَْرْضِ اُعِدَّت لِلَّذِینَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ).

ومن الواضح أنّ المقصود من « العرض» هنا لیس ما یقابل الطول بل المقصود هو المفهوم اللغوی الذی یعنی السعة والامتداد ،(1) وقد تحملت جماعة من المفسّرین مشقّة کبیرة للعثور على طول الجنّة بسبب الخطأ الذی وقعوا فیه فی فهم معنى « العرض » .وقال البعض أیضاً: إنّ لهذا التعبیر بُعد کنائىٌّ ، لأنّ أوسع ما یمکن أن یتصوّره ذهن الإنسان هو عرض السموات والأرض ، وإلاّ فسعتها الحقیقیة أکبر من هذا بکثیر .وممّا یلفت الانتباه أنّ الحدیث ابتدأ أولاً بالمغفرة الإلهیّة، ثم تطرق ثانیاً إلى الجنّة وما فیها من امتداد وذلک لأنّ المغفرة تعنی التطهر من الذنوب ونیل الاستحقاق فی القرب الإلهی وهو ما یفوق الجنّة أهمیّة، إضافة إلى أنّ الطهارة والمغفرة إذا لم تتحقق ، فلن یکون هناک طریق للجنّة .الفعل « سابقو » مأخوذ من مصدر « المسابقة » وهو إشارة إلى هذه المسألة التی تعنی أنّ للجنّة والمغفرة أهمیّة بالغة تحتّم على المؤمنین بذل الجهد لبلوغهما کما یفعل الابطال عادة حین التسابق لبلوغ هدف معیّن .ویفهم من هذا التعبیر أیضاً أنّ هذه الدنیا لا تعدو أن تکون سوى حلبة سباق والهدف النهائی لها هو ذلک العالم .ولکن على أی شیء یجری التسابق ؟ لقد وضع الکثیر من المفسیرین أصابعهم على مصادیق خاصة دون سواه ، کأمثال التسابق نحو « الإسلام » أو « الهجرة » أو « الصلوات الخمس » أو « الجهاد » أو «التوبة» .إِلاّ أنّه من الواضح أنّ الآیة تحمل مفهوماً أوسع یشمل جمیع الطاعات والأعمال الصالحة ، وأنّ ما ورد فی کلام هذه المجموعة من المفسرین یمثّل فی الواقع مصداقاً واحداً من هذا المفهوم الواسع .

أمّا الآیة الثانیة فهی انعکاس ـ ولکن بتعابیر أُخرى ـ لنفس هذه القضیة ، فهناک کان الکلام عن السباق وهنا عن المسارعة ، وهناک أوضحت الآیة أنّ سعة الجنّة بعرض السماء والأرض ، وهنا حُذِفت « کاف » التشبیه ، وحلّت کلمة السموات محل کلمة السماء ، وأشارت الآیة هناک إلى أنّه ـ أی الجنّة ـ اُعدّت للذین آمنوا بالله ورسله ، وهنا تقول الآیة أنّه : « اُعدّت للمتقین » حیث نصّت على : (وَسَارِعُوا اِلَى مَغفِرَة مِّن رَّبِّکُم وَجَنَّة عَرضُهَا السَّموَاتُ وَالاَْرضُ اُعِدَّت لِلمُتَّقِینَ ) .ولا یخفى أنّ « التسابق » یرتبط « بالمسارعة فی العمل » وأنّ « المتقین » هم « الذین یؤمنون بالله ورسله » وذلک لأنّ التقوى هی انعکاس للإیمان الراسخ ، وکلمة « السماء » تنطوی أیضاً على معنى الجنس الذی یشمل جمیع السموات ، إذن فالآیتان فی واقعهما تنشدان حقیقة واحدة .وهنا واجه الکثیر من المفسّرین سؤالا حول ما إذا کانت سعة الجنّة کعرض السموات والأرض ، فلن یبقى هناک مکان للنار !ویمکن تبیان جواب هذا السؤال بالصورة الآتیة، وهی أنّ العالم یومذاک سیکون أوسع بمرّات عدیدة من عالمنا هذا، لأنّه عالم أفضل وأکمل ، وستکون سعة الجنّة فیه بسعة السماء والأرض فی عالم الیوم ، والنّار فی معزل عنه ، لأنّ ذلک العالم أوسع من عالمنا الیوم فی جمیع الجوانب .وهناک جواب آخر أیضاً عن هذا السؤال یتلخص فی أنّ النور والظلام متزاحمان، وکذلک النعمة والنقمة فی هذا العالم ولا تجتمعان طبعاً فی مکان واحد ، ولکن ذلک العالم لا یحفل بمثل هذا التزاحم ، فربّما یوجد الاثنان معاً وهما یغطّیان العالم فی وقت واحد ، وبما أنّهما مرحلتان من مراحل الوجود والکینونة فهما لا یتزاحمان مع بعضهم .ویمکن الإتیان بمثال بسیط لتوضیح هذا المعنى فی الأذهان وهو : ربّما تقوم احدى محطات الارسال الاذاعی ببث صوت رقیق وناعم على احدى موجاتها وفی نفس الوقت ینبعث من محطّة إرسال أُخرى صوت مزعج وکریه یصمّ الآذان مصحوباً بأنغام مرعبة ، وربمّا تغطی هاتان الموجتان جمیع أنحاء الکرة الأرضیة إلاّ أنّهما غیر مسموعتین من قبل الناس العادیین ، والشخص الوحید الذی یمکنه الاستماع هو الذی یستطیع تنظیم أمواج محطته مع الموجه الاُولى إذ یمکنه عند ذاک الاستغراق فی سماع النغمات الممتعة ، أمّا الذین ینظمون أمواج محطتهم مع الموجة الثانیة فیلقون العذاب والشقاء وکان الفریق الأول فی الجنّة والثانی فی جهنّم ، وسنشرح هذا الکلام عمّا قریب بإذن الله .

وجاء فی الآیة الثالثة والأخیرة تعبیر غنی بخصوص عظمة الجنّة ، وظاهر الآیة یُخاطب به الرسول (صلى الله علیه وآله) :(وَاِذَا رَأَیْتَ ثَمَّ رَأَیتَ نَعِیماً وَمُلکاً کَبِیراً ) (2) .وطرحت فی تفسیر الملک الکبیر آراء متعددة تبلورت بصورة رئیسیة حول محورین: فقال جماعة: إنّ الملک الکبیر إشارة إلى سعة وعظمة الجنّة وما فیها من قصور وغرف وحدائق ، ومن جملة ذلک ماورد فی أحد التفاسیر : «إنّ أدناهم منزلة ینظر فی ملکه من مسیرة الف عام ، وفی بعض الروایات لمسافة اَلفی سنة» (3) .واعتبره آخرون إشارة إلى العظمة المعنویة للجنّة والمقامات الرفیعة لأهله ، ومن جملة ذلک: أنّ الملائکة لا یدخلون علیهم إلاّ بإذن منهم ، ویؤدّون لهم التحیة والسلام ، أو أنّ الفناء والزوال لا وجود له هناک ، أو أنّ لکل واحد منهم هناک سبعین باب (4).

وفسّر جماعة آخرون «الملک» بمعنى الملکیة ، والبعض الآخر قالوا إنّه یعنی الحاکمیة .

وقال آخرون فی تفسیر «الملک الکبیر» أنّه یعنی «القرب إلى الله والشهود المعنوی لجلاله وجماله» ویمکن الجمع بین کل هذه المعانی ، لعدم وجود أی تضاد بینه .

والذی یتّضح من مجموع هذه الآیات أنّه وکما أنّ النعم فی الجنّة تستعصی على الوصف بسبب أهمّیتها واتساعها وتنّوع أشکاله ، فکذلک الحال بالنسبة لعظمة الجنّة وسعته . فکلّما یُقال فی هذا الباب یبقى قاصراً عن أداء الوصف المطلوب .


1. قال الکثیر من أصحاب اللغة أنّ « العرض » یقابل « الطول » . لکنهم لم ینکروا أنّ العرض جاء أیضاً بمعنى السعة ، ووفقاً لما ورد فی کتاب « التحقیق فی کلمات القرآن الکریم » المعنى الأصل للعرض هو وضع الشیء فی مقابل الانظار ، ولما کان نظر الإنسان غالباً ما یقع على عرض الأشیاء لا طوله ، لذلک استخدمت هذه الکلمة فی المعنى المذکور أعلاه، وعلى هذا فعرض السموات والأرض فی الآیة التی نبحثها یعنی کل وجودهما الذی یمکن مشاهدته .
2. « ثَمّ » هنا ظرف مکان . و « رأیت » فعل لازم ، وعلى هذا یکون معنى الآیة : عندما تنظر هناک ترى نعمة کبیرة وملکاً عظیماً. وبناءً على التفسیر الآخر یکون « رأیت » فعل متعدّ و « ثمّ » اسم إشارة للبعید ومفعول به ، فیکون مفهوم الآیة : ( إذا رأیت ذلک المکان رأیت نعیماً وملکاً کبیر ) .
3. تفسیر روح الجنان، ج 11 ، ص 352; و تفسیر القرطبی، ج 10 ، ص 3669 ; و تفسیر المعانی، ج 29 ، ص 161 ; و تفسیر مجمع البیان، ج 9 و 10 ، ص411 .
4. تفسیر البرهان، ج 4، ص 415 ; وتفسیر مجمع البیان، ج 9 و 10، ص 411 .

 

تمهید تمهید
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma