إنّ نعمة الأمن وبغض النظر عن جذورها التی أشرنا إلى بعضها فی بحثنا السابق ، تُعد من أکبر النعم المعنویة التی یعز على الإنسان فقدانها ولو للحظة واحدة ، وهذه الحقیقة یشعر بها الأشخاص فی المناطق الصحراویة الموحشة ، أو فی المناطق الحربیة المعرّضة فی أی وقت للقصف بالصواریخ والقنابل ، فهناک یتکدَّر معین الحیاة الصافی وتمضی الساعات والدقائق ثقیلة وعسیرة ، والنقطة المقابلة لذلک هی مناطق الأمن والأمان (1) .
یَصفُ القرآن المجید حال المتقین بقوله :(اِنَّ الْمُتَّقِینَ فِى مَقَام اَمِیْن ). (الدخان / 51) فلا هم یخشون هجوم الشیاطین ولا یخافون سلطة الطواغیت ولا هم یتعرضون للآفات والبلایا ولا یعتریهم الحزن والغم!
ولهذا السبب یضیف فی مکان آخر :(اُدْخُلُوا الجَنَّةَ لاَخَوْفٌ عَلَیْکُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ). (الأعراف / 49)
لقد لاحظنا من خلال التجربة أنّ بعض الناس ـ ورغم مایتوفر له من متطلبات الحیاة ومستلزمات الراحة ـ یعیش حالة من القلق والاضطراب بسبب الحزن والهم الذی یستحوذ علیه، أو لوجود الخوف والهلع الذی ینتابه فیقض مضجعه فنراه لا یلتفت مطلقاً إلى کل تلک النعم ولا یعیر أدنى اهتمام لما بین یدیه ، ففی مثل هذه الأحوال یمکن لمس حقیقة وعمق التعابیر القرآنیة بشأن أهل الجنّة .
لابدّ أنّ أهل الجنّة یشعرون حتّى فی هذه الدنیا بشیء من ذلک الأمان والسکینة فی ظل إیمانهم ، وینعمون بالاستقرار حتّى فی أشدّ المعضلات من خلال الاعتماد على حقیقة التوکل وروح التسلیم والرضا بالإرادة الإلهیّة :(أَلاَ اِنَّ اَوْلِیَاءَ اللهِ لاَ خَوفٌ عَلَیْهِم وَلاَ هُمْ یَحْزَنُونَ ) ... (لَهُمُ البُشرَى فِى الحَیَاةِ الدُّنیَا وَفِى الاْخِرَةِ ). (یونس / 62 ـ 64)
1. کلمة «آمنین» الواردة فی الآیة 55 من سورة الدخان; والآیة 46 من سورة الحجر بشأن أهل الجنّة ، وکذلک کلمة «آمنون» فی الآیة 37 من سورة النبأ حیث تقول :«وهم فی الغرفات آمنون» هاتان الکلمتان تشیران إلى نفس هذا المعنى .
