إنّ کل من له أدنى اطلاع على منطق القرآن والإسلام یعلم جیداً بالمقام السامی والدرجة الرفیعة للمجاهدین والشهداء فی الإسلام ، فلقد وعد القرآن صراحة هذه الطائفة المضحیة بالجنّة ، ومن جملة الآیات قوله تعالى:(اِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اَنْفُسَهُم وَاَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ یُقَاتِلُونَ فِى سَبِیلِ اللهِ فَیَقتُلُونَ وَیُقتَلُونَ وَعداً عَلیهِ حَقّاً فِى التَّورَاةِ وَالاِْ نْجِیلِ وَالْقُرآنِ وَمَن اَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَیْعِکُمُ الَّذِى بَایَعْتُمْ بِهِ وَذَلِکَ هُوَ الْفَوْزُ العَظِیمُ ) (1) . (التوبة / 111)
حقّاً إنّها لتجارة لا نظیر له ، فالمشتری هو الله سبحانه وتعالى والبائعون هم المؤمنون المجاهدون .
«البضاعة» : الأنفس والأموال التی وهبها الله لهم والثمن الذی یدفع إلیهم هو جنّة الخلد وسند هذه المعاملة الکتب السماویة الثلاثة إضافة إلى کل هذا هناک تبریک من قبل المشتری للبائع .
کم هی تعابیر جمیلة ورائعة! وکم هی معاملة رابحة مقابل متاع زائل وغیر ثابت وکم هو ثمن مبارک وخالد ، وکم هو مقدار اللطف والمحبة فی هذه المعاملة من قبل الله تبارک وتعالى ؟
وعن جابر بن عبدالله قال : «انزلت هذه الآیة على رسول الله (صلى الله علیه وآله) وهو فی المسجد (ان الله . .) فکبر الناس فأقبل رجل من الأنصار ثانیاً طرفی ردائه على عاتقه فقال : یا رسول الله اُنزلت هذه الآیة ؟ قال : نعم ، فقال الأنصاری : بیع ربیح لا نقیل ولا نستقیل» (2) .
ونستفید من الآیة السابقة أنّها لا تختص بالشهداء فقط بل إنّ هذه المعاملة تشمل المجاهدین فی سبیل الله أیض .
ونلاحظ فی الآیة تقدم عبارة (یَقْتُلُونَ) على (یُقتَلونَ) وهذا دلیل على أنّ الهدف الرئیس من الجهاد هو القضاء على العدو لا الشهادة، وبناء على ذلک فإنّ الشهادة درجة رفیعة لا یبلغها إلاّ الخاصة من أولیائهِ .
من هنا لا یمکن أن یکون الغرض من الجهاد هو الشهادة أبداً وبتعبیر أدق الشهادة لیست هدفاً وإنّما هی وسیلة لتحقیق الهدف .
1. کما ورد نفس هذا المعنى فی الآیات 20 ،21 ،88 ،89 ،من نفس السورة ، و الصف، 12; آل عمران، 142.
2. تفسیر درّ المنثور وطبق نقل تفسیر المیزان، ج 9، ص 429 .
