نلاحظ فی الآیة الخامسة عشرة تعبیراً جدیداً حول صحف الأعمال وهذا التعبیر عمیق المحتوى: (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ) (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ ).
«نشرت»: مشتقة من مادة (نشر) بمعنى الفتح، أمّا سبب ذکر هذا التعبیر بخصوص کتاب الأعمال فامّا لکون الکتاب یطوى أثناء الموت ویعاد فتحهُ عند الحساب یوم القیامة ومثله کمثل الملف الذی یُغلَق بختم المحقق ثم یفتح أثناء المحکمة، وإمّا أن تکون الصحف کلّها مجموعة عند الله تبارک وتعالى وتنشر وتقسم بین أصحابها یوم القیامة .
لقد انتخب بعض من المفسرین أحد المعنیین السالفین، واحتمل البعض الآخر کلیهم ، ونحن نقول: إنّ التفسیر الأول هو الأنسب لسیاق الآیة ، على أیّة حال فإنّ صحف الأعمال سوف تنشر فی ذلک الیوم بحیث لا یطلع علیها أصحابها وحسب بل یطلع علیها أهل المحشر أیضاً وتستذکر جمیع الأعمال المنسیة ، وهذا هو أحد عوامل الفرج واستبشار الصالحین، وعذاب وثبور وخزی أهل النّار ، وهذه شهادة على هذا المعنى . ولذا تقول الآیة: (وَنُخْرِجُ لَهُ یَوْمَ الْقیمَةِ کِتَاباً یَلقَاهُ مَنْشُوراً ). (الاسراء / 13)
یستفاد ممّا ورد فی مجموع الآیات السالفة الذکر أنّه إضافة إلى إحاطة وعلم الله تبارک وتعالى بأعمال الناس وشهادة الجوارح وسائر شهود یوم القیامة فإنّ أعمالنا مسجلة فی کتاب، وهذا التسجیل یؤدّى بواسطة رسل وملائکة الله .
وفی یوم القیامة یؤتى الأخیار صحائف أعمالهم بأیمانهم والأشرار بشمائلهم وتنطق هذه الکتب وتخبر عن کل ما فیه ، وتنشر الصحف وتعرض على الخلائق ویطلع أهل المحشر على أسرار وأخبار هذه الصحف، فأصحاب الیمین یتلقون کتبهم مسرورین مستبشرین ویدعون الجمیع لقراءة کتبهم، أمّا أصحاب الشمال فیعلو صراخهم وعویلهم وثبورهم من شدة خوفهم وهلعهم .
ونحن نجد فی هذه التعابیر الکثیر من الجوانب التربویة ، سنتعرض إلیها فی فقرة التوضیحات .
