اللباس له أهمیّة کبیرة فی الحیاة الدنیا فهو أولاً: یحفظ الجسم ویقیه الحر والبرد والاضرار المختلفة، وثانیاً: یعتبر اللباس زینة مهمة للإنسان فکم نجد أنّ لطراز الألبسة ابتداء من جنس القماش وحتى نوع خیاطته ولونه یحکی عن طرز تفکیر المرء وشخصیته، ونجد على طول التاریخ أنّ للملابس دوراً مهماً فی زینة الإنسان وبهائه .
ممّا لا شک فیه أنّ اللباس فی الجنّة لا یهدف إلى دفع البرد والحر أو حفظ الجسم من أنواع الآفات والأمراض والعوارض ، حیث إنّ کل شی هناک فی حد الکمال فلا أمراض ولا آفات و . . من هنا تکون الملابس مظهراً من مظاهر الزینة، ولعل لهذا السبب رکزت الآیات القرآنیة على إبراز مظهر زینة اللباس وجاء ذلک ضمن تعابیر مختلفة، ولکنّها تحکی جمال وبهاء وجذابیة ملابس أهل الجنّة.
قال تعالى : (وَیَلبَسُونَ ثِیَاباً خُضْراً مِّنْ سُندُس وَإِسْتَبْرَق ). (الکهف / 31)
وورد نفس هذا المعنى بشی من الاختلاف فی قوله تعالى فی آیتین الاُولى :(یَلبَسُونَ مِن سُندُس وَإِستَبرَق )وفی الآیة الثانیة :(عَالِیَهُمْ ثِیَابُ سُندُس خُضرٌ وَإِسْتَبرَقٌ ) (1) .(الدخان / 53) (الدهر / 21)
ونقرأ فی تعبیر آخر : (وَلِبَاسُهُمْ فِیهَا حَرِیرٌ ). (الحج / 23)
ولقد ورد نفس هذا التعبیر فی الآیة 23 من سورة فاطر، وشبیهه فی سورة الدهر، الآیة 12 .
وکلمة «سندس» حسب اجماع أهل اللغة والمفسرین (ما رقَّ من الثیاب) وهی ثیاب حریریة فاخرة . وأصل هذه الکلمة غیر عربی فلقد ورد فی بعض کتب اللغة أنّ أصلها فارسی أو رومی (2)، ولو أننا لم نعثر على هذا المعنى فی اللغة الفارسیة.
و قال البعض : إنّ أصلها یونانی (3).
وقال آخرون : السندس: قماش من الحریر یستعمل فی نسجه خیوط من الذهب .
وأمّا «استبرق» على قول أرباب اللغة والمفسرین (ما غلظ من الملابس الحریریة ولا یراد به الغلظة فی الخیوط إنّما یراد به المتانة فی النسیج) .
وقیل: إنّ (الاستبرق) فارسی معرب اصله «استبر» أو (ستبر) والذی یعنی السمیک، وقیل هو الدیباج المنسوج بالذهب، وقیل السندس: الدیباج الرقیق الفاخر الحسن، والاستبرق: الدیباج الغلیظ الذی له بریق . وهذا یدل على أنّ ثیاب أهل الجنّة من الحریر الخالص وبأشکال مختلفة .
ویمکن الإشارة هنا إلى أنّ الحریر وبسبب نعومته ولطافته وقبوله لألوان مختلفة یعتبر من أفضل الأقمشة وأفخره .
وبما أنّ الناس لم یعرفوا لباساً أغلى وأفخر من الحریر لذا استعملت هذه الکلمة فی توصیف لباس أهل الجنّة، وإلاّ فکل شی فی الجنّة فوق حد التصور .
والجدیر بالذکر أنّ الآیات الکریمة تحدثت عن اللون الأخضر، ولعل السبب فی ذلک هو أنّ هذا اللون أجمل الألوان فی عالم الطبیعة والخلق ، فهو لون یبعث على البهجة والارتیاح فی النفس ، فالنباتات بشکل عام خضراء ، والبحار والمیاه تبدو أحیاناً زرقاء وأحیاناً اُخرى خضراء ، ولهذا فإنّ هذا اللون یبعث فی الروح الإنسانیة البهجة والطمأنینة والارتیاح .
ویعتقد بعض العلماء بأنّ اللون الأخضر لون مهدئ ومسکن ، ونقرأ فی أحد الکتب مقالة تحت عنوان : (الصحة واللباس) : «إنّ اللون الأخضر له أثر کبیر فی علاج الأمراض العصبیة والنفسیة والهستریا والارهاق العصبی ، وکذلک له الأثر فی زیادة قوة الإدراک والتحمل ویبعث الأمل والاعتدال ، کذلک له الأثر فی ازالة حالات الأرق وتخفیف ضغط الدم ، وتسکین أوجاع الأعصاب ، ویلاحظ أنّ أغلب الذین ینتخبون اللون الأخضر فی الوهلة الاُولى رحماء واقعیون ، ویتمتعون بتعادل روحی ونفسی .
ولقد اجریت تجربة على ثلاث مجامیع من العمال . . المجموعة الاُولى عهد إلیها حمل صنادیق خضراء اللون ، والثانیة، صنادیق سوداء اللون والثالثة ، بنیة اللون ، فلوحظ أنّ أغلب المراجعین للمستشفى هم من المجموعة الثانیة والثالثة وکانوا یشکون من آلام فی الظهر وآلام اُخرى .
یذکر أنّه کان فی لندن جسر أسود اللون وکان الکثیر من الناس ینتحرون بإلقاء أنفسهم من فوقه ، ولما غیروا لونه إلى الأخضر لوحظ انخفاض نسبة الانتحار بشکل کبیر »(4) .
وعرف منذ القدم هذا القول: (ثلاث یذهبن الحزن : الماء والخضراء والوجه الحسن ) .
ونختم هذا الموضوع بما نقله أحد المفسرین : « لو بسط ثوب من أثواب الجنّة فی الدنیا لاندهش أهلها جمیع »(5).
1. «عالیهم» من مادة «علوّ» أی من فوقهم . وقیل: فی اعرابها احتمالان ، الأول: أنّها «ظرف» لأنّها تحمل معنى «فوق»، والآخر: «حال» للضمیر «هم» الذی جاء فی الآیات السابقة .
2. التحقیق فی کلمات القرآن الکریم .
3. معجم اللغة لـ (دهخدا) .
4. الجامعة الاُولى والنبی الخاتم، المرحوم الشهید الدکتور پاک نجاد، ج 18، ص 133 ـ134 .
5. روح المعانی، ج 15، ص 249 .
