رکزت بعض الآیات القرآنیة على مسألة الاستقامة والثبات على طریق الإیمان واطاعة الأوامر الإلهیّة فقد ورد فی قوله تعالى :(اِنَّ الَّذِینَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلاَ خَوْفٌ عَلَیهِمْ وَلاَ هُمْ یَحْزَنُونَ * أُولَئِکَ اَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِینَ فِیهَا جَزَاءً بِمَا کَانُوا یَعمَلوُنَ ).(1) (الاحقاف / 13 ـ 14)
استقاموا مشتقة من مادة (الاستقامة) أی ملازمة الطریق المستقیم والثبات على الطریق الصحیح وبتعبیر آخر الابتعاد عن کل زیغ وانحراف والثبات على ماشهد الإنسان به من دین الحق، والتفسیر بـ «الاعتدال» من أربات اللغة إنّما هو من هذا الباب أیض .
قال الراغب فی مفرداته : «یقال: الاستقامة: الطریق الذی یقع على خط مستقیم ولهذا یقال للطریق الحق: (الصراط المستقیم) واستقامة الإنسان هی ملازمة الطریق المستقیم» (2) .
إضافة إلى أنّ مفهوم الاستقامة یعنی استواء الطریق کذلک أنّه یعنی المقاومة والثبات، وعلى هذا الأساس فتعبیر الاستقامة على النهج الصحیح من عوامل الدخول إلى موضع اللطف والکرامة الإلهیّة (ألا وهی الجنّة) وورد عن الأئمّة المعصومین(علیهم السلام)فی تفسیر الآیة أنّهم قالو : «استقامو على ولایة امیرالمؤمنین» والتی تعد الخط المستقم للإسلام الصحیح (3) .
ولو تأملنا فی الآیة الکریمة لوجدنا أنّها ذکرت (الإیمان) أولاً (قالوا ربّنا الله) وبعدها عطفت (الاستقامة على الطریق الصحیح) على الإیمان بـ «ثم» التی تفید العطف المباشر لتوحی إلى أنّ عملاً کهذا هو نتیجة مثل ذلک الإیمان ، وممّا تجدر الإشارة إلیه أنّ الإنسان یحزن على اُمور قد حدثت فی الماضی وأحیاناً اُخرى یخاف ویقلق من أمور قد تحدث فی المستقبل ، یقول القرآن الکریم فی الآیة مورد البحث : (فلا خَوفٌ عَلَیهِمْ وَلاَ هُمْ یَحْزَنُونَ ) .
ونختتم هذا الموضوع بحدیث عن الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) قال سفیان الثقفی: قلت: یارسول الله أخبرنی بأمر أعتصمُ به. قال الرسول الأعظم(صلى الله علیه وآله) : «قل ربّی الله ثم استقم، قال: فقلت : ما أخوف ما تخاف علی : فأخذ رسول الله (صلى الله علیه وآله) بلسان نفسه فقال: هذا» (4) .