4 ـ أین الجنّة ؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء السادس)
3 ـ جواب على اعتراضین تمهید

یُطرح هذا السؤال جدّیاً مع أخذ قضیّتین بنظر الاعتبار:

الاُولى: وهی أنّ الجنّة موجودة الآن ، (طبقاً للشواهد المتأتّیة من الآیات والروایات المذکورة سابقاً) .

والثانیة: إن عرض الجنّة کعرض السماء والأرض (استناداً إلى صریح الآیات الواردة فی البحث السابق ) .

ولعل البعض یقول : أین یقع بالدقّة مثل هذا الوجود الذی هو کعرض السماء والأرض ؟ وکیف یمکن وجود مثل هذا الشیء دون أن تطاله حواسّن ؟

وقد أجاب جماعة عن مثل هذا السؤال بقولهم : تفید الآیات القرآنیة أنّ الجنّة موجودة فی السماء، فکما أشرنا سابقاً، إنّ عروج النبی(صلى الله علیه وآله) کان إلى السماء حیث أخبرت الآیة الشریفة: (عِندَهَا جَنَّةُ المَأْوَى) (وهذه النقطة هی أسمى وأرفع نقطة فی السماء).(1)(النجم / 15)

رغم أنّ البعض اعتبرها الجنّة البرزخیة التی تصعد إلیها أرواح الشهداء أو أنّها جنّة آدم ، ولکن کلا هذین الاحتمالین یخالف معنى التعبیر الظاهری لجنّة المأوى .

وجاء فی قوله تعالى:(وَفِى السَّمَـاءِ رِزقُکُم وَمَا تُوعَدُونَ ). (الذاریات / 22)

إذ یعتقد کثیر من المفسرین أنّ المقصود من «ماتوعدون» هی جنّة الخلد التی وعد الله بها عباده (2) ، وقال جماعة إنّ هذا یشمل الجنّة والنّار رغم قول البعض أنّ الغرض هو الإشارة إلى العذاب الدنیوی الذی ینزل على الکفّار والجبابرة (کعذاب قوم نوح وقوم لوط وأمثالهما) .

محصّلة هذا الکلام هو أنَّ جنّة الخلد تقع فی مارواء السماء الدنیا وسعتها کعرض السماء والأرض أو أنّها أوسع من ذلک بعدّة مرّات لعدم وجود ما هو أوسع من هذا البیان لیصف به القرآن سعة الجنّة ، وعلى هذا الأساس فهی موجودة ومکانها فی السماء وسعتها کعرض السماء والأرض فی هذه الدنی .

وقد طرح بعضهم عدّة مؤاخذات على هذا الرأی وهو إذا کانت الجنّة فوق الفلک التاسع فهذا یستلزم أنّها کائنة فی اللامکان واللاجهة ! وهی إنّ کانت واقعة فی طبقات السماء أو بین فلکین من هذه الأفلاک فهذا إمّا یستلزم التداخل أو انفصال الأفلاک عن بعضه ، وکل هذا محال ولا یتّسق مع التعبیر القرآنی القائل: إنّ سعتها کعرض السموات والأرض .

ولا یخفى أنّ هذا الاعتراض قائم فی الحقیقة على أساس هیئة بطلیموس والأفلاک التسعة التی یعتقد أنّها قائمة فوق بعضها کطبقات قشرة البصل ولا یوجد بینها أی فاصل ولکن بعد أن ثبت الآن بالدلائل القطعیة بطلان هذه العقیدة ، وحتى أنّ بطلانها فی بعض الحوانب ثبت حسّی ، لم یَعُد هناک أی دلیل تستند علیه مثل هذه الاعتراضات ولا یوجد هناک أی مانع من وجود عوالم کبیرة اُخرى أوسع بکثیر من سمائنا وأرضنا هذه فوق هذه النجوم الثابتة والسیارة وفوق المجّرات ، وعلیه فلا تتعارض مع مفهوم الآیة الآنفة الذکر أیض .

النظریة الأخرى تقوم على رأی جماعة من الفلاسفة الذین ینکرون مادّیة الجنّة والنّار ، وعلى هذا ذهبوا إلى عدم حاجة الجنّة إلى المکان المادّی بل هی فی ماوارء عالم الحس والمادّة ، وقد تحدّث صدر المتألهین عن هذا الموضوع فی کتاب الأسفار قائل :

«واعلم أنّ لکل نفس من نفوس السعداء فی عالم الآخرة مملکة عظیمة الفسحة ، وعالماً أعظم وأوسع ممّا فی السماوات والأرضین ، وهی لیست خارجة عن ذاته بل جمیع مملکته وممالیکه وخدمه وحشمه وبساتینه وأشجاره وحوره وغلمانه کله ، قائمة به ، وهو حافظها ومنشئها بإذن الله تعالى وقوته ، ووجود الأشیاء الاُخرویة وإن کانت تشبه الصور التی یراها الإنسان فی المنام أو فی بعض المرایا لکن یفارقها بالذات والحقیقة ، أمّا وجه المشابهة فهو أنّ کلا منها بحیث لا یکون فی موضوعات الهیولى ولا فی الأمکنة والجهات لهذه المواد ، وأن لا تزاحم بین أعداد الصور لکل منهما وأنّ شیئاً منهما لا یزاحم شیئاً فی هذا العالم فی مکانه أو زمانه ، فإنّ النائم ربما یراه فی یقظة هذا العالم ، وهی مع کونها مغایرة لما فی الخارج بالعدد لکن لا تزاحم ولا تضایق بینه . . وأمّا وجه المباینة فهو أنّ نشأة الآخرة والصور الواقعة فیها قویة الجوهر شدیدة الوجود عظیمة التأثیر إلذاذاً وإیلام ، وهی أقوى وأشد وآکد ، وأقوى من موجودات هذا العالم، فکیف بالصور المنامیة والمرآتیة ، ونسبة النشأة الآخرة إلى الدنیا کنسبة الانتباه إلى نشأة النوم» (3) .

وبالرغم من استخدامه لتعابیر مختلفة بشأن المعاد فلیس من السهل الحکم على رأیه من خلال هذه التعابیر ، لکن من الواضح أنّ هذا التفسیر للمعاد لا یتطابق مع ظاهر بل مع صریح القرآن ، بل یتناسب مع آراء الذین یعتبرون المعاد روحیاً فقط، فقد ورد فی النص السابق أنّ الجنّة فی داخل ذات الإنسان وفی نفسه وروحه وکل شیء هناک له صورة مثالیة ، وکل شیء روحانی ، بل وأنّ الموجد له هی روح الإنسان !

لقد ذکرنا فیما سبق عشرات الآیات التی تثبت جسمانیة المعاد ، وذلک ضمن عدّة مجامیع وبإمکان کل مجموعة أن تکون جواباً على مثل هذا الرأی .

أمّا الرأی الثالث الذی یمکن طرحه فی هذا الصدد فهو أنّ کلاًّ من الجنّة والنّار تقعان فی باطن هذا العالم، وحجب عالم الدنیا تحول دون رؤیتهما، لکن أولیاء الله بإمکانهم مشاهدتهم ، وقد استطاع النبی الکریم(صلى الله علیه وآله) أثناء معراجه حیث صار بعیداً عن ضجیج سکان هذا العالم ، أن یرى بعینه الملکوتیة قطعة من الجنّة فی العالم الأعلى ، وحتّى أنّ أولیاء الله قد یتاح لهم بین الفینة والأخرى أثناء بعض النفحات مشاهدة ذلک وهم على الأرض !

وقد تکون الآیات التالیة إشارة إلى هذا المعنى :(اِنَّ جَهَنَّمَ لَـمُحِیطَةٌ بِالْکَافِرِینَ ).(العنکبوت / 54)

وقال : (اِنَّ الاَْبرَارَ لَفِى نَعِیم * وَاِنَّ الفُجَّارَ لَفِى جَحِیم ). (الانفطار/13 14)

وکذلک :(کَلاَّ لَو تَعْلَمُون عِلْمَ الیَقِینِ * لَتَرَوُنَّ الجَحِیمَ ). (التکاثر / 5 6)

یمکن تشبیه وجود الجنّة فی باطن هذا العالم بماء الورد فی الورود ، فمع أنّ ماء الورد مادّة وکذلک الورود لکن ذلک لایمنع من وجود أحدهما مخفیاً داخل الآخر فلا یشاهد بالعین .

والتشبیه الآخر الذی یمکن الإتیان به لتقریب الموضوع إلى الأذهان ، وهو تشبیه سبق ذکره حیث توجد أشیاء کثیرة فی عالم المادّة هذا لا یتیسّر لنا إدراکها فی الظروف الاعتیادیة ، وکثیر منها موجود فی داخل هذا العالم المادّی فعلى سبیل المثال توجد فی فضاء هذا العالم أمواج إذاعیة عدیدة تبثها فی الفضاء محطات الاذاعة العالمیة ، وتصل أحیاناً بواسطة الأقمار الصناعیة إلى جمیع أرجاء العالم ، وتوجد أنواع متعددة من هذه الموجات فی کل بیت ، لکنّ أحداً لایشعر به ، ولعل بعضها یحمل أنغاماً وأصواتاً جذّابة ورائعة ، وقد یحمل بعضها الآخر أصواتاً مزعجة وصفّارات انذار وأنغاماً تشمئز منها النفوس ، وکذلک محطات التلفزة ، فقد تبث صوراً ومشاهد جمیلة وجذّابة وتربویة فیما تبث محطّات اُخرى مشاهد الحرب والدمار والخراب والمذابح والحرائق والجرائم ، وکل هذه الصور والمشاهد والأصوات المختلفة موجودة فی عالمنا المادی هذا وفی هذا الفضاء

المحیط بن ، وقد اصطنعت لنفسها جنّةً وناراً فی داخل هذا العالم ، فیقوم بعض الناس بتنظیم أجهزة الاستلام لدیهم مع الأصوات الجّذابة والأنغام المریحة والمشاهد الممتعة والمفیدة ، بینما ینظم البعض الآخر أجهزة الاستلام اختیاراً أو اضطرار ـ مع الأنغام والأصوات والمشاهد المعاکسة للاُولى ، فیعیش الفریق الأول أجواء عالم ممتع ، والفریق الثانی یعیش فی عالم من العذاب والأذى ، وهذه کلها کامنة فی قلب هذا العالم المادّی .

نأمل عدم حصول الالتباس فی الفهم، فنحن لا نقول أبداً إنّ الجنّة والنّار هکذا تماماً بل نقول ما المانع فی أن یکون فی عمق هذا العالم عالم آخر أو عوالم اُخرى ونحن لا نتمکن فی الظروف الحالیة من الاطّلاع علیها مطلقاً لوجود الحجب المتعددة الحائلة بیننا وبینه ؟ إنّ من أوتی القدرة على إزاحة هذه الحجب فبإمکانه رؤیة تلک العوالم حتّى وإن کان هو فی هذا العالم، (فتأمّل) .

وقد اُتیح للنبی الکریم(صلى الله علیه وآله) أثناء معراجه إلى السماء حیث خفّت ضجّة عالم المادّة ، وتتقلصت الهموم والمشاغل وتتعاظمت مظاهر جلال الله وجماله ـ ازاحة الحُجب ومشاهدة جوانب من العالمین (الجنّة والجحیم) الواقعتین داخل هذا العالم .

ولیس معنى هذا أنّ الرسول الکریم(صلى الله علیه وآله) أو سائر أولیاء الله لا یتمکّنون من مشاهدة الجنّة والنّار وهم على الأرض ، بل إنّ هذا قد حصل أیضاً فی بعض الأوقات على الأرض کما یتّبین من بعض الروایات .

جاء فی الحدیث الذی نقله الراوندی فی «الخرائج» أنّ أصحاب الإمام الحسین(علیه السلام)حین أکدوا له وفاءهم الکامل له وامتنعوا عن مغادرة المیدان ونقض البیعة : «دعا لهم بالخیر وکشف عن أبصارهم فرأوا ما حباهم الله من نعیم الجنان وعرّفهم منازلهم فیها» (4) .

ویروی مؤلف کتاب «مقتل الحسین» بعد ذکره لهذه الروایة : «ولیس ذلک فی القدرة الإلهیّة ولا فی تصرفات الإمام بغریب ، فإنّ سحرة فرعون لما آمنوا بموسى (علیه السلام) وأراد فرعون قتلهم آراهم النبی موسى منازلهم فی الجنّة »(5).

ورد فی بعض الروایات أیضاً أنّ الإمام الصادق(علیه السلام) أرى بعض أصحابه حوض الکوثر (6) .

وهذه النظریة حول مکان الجنّة تحل ضمناً مسألة سعتها التی هی کعرض السموات والأرض وترد على بعض اعتراضات المتکلمین بشأن ضرورة التداخل .

وعلى أیّة حال فإنّ ما طرحناه بخصوص وجود الجنّة والنّار فی باطن هذا العالم لا یتجاوز النظریة ، والاعتقاد به یحتاج إلى مزید من الدراسة والأدلة والشواهد .


1. صرّح بذلک المرحوم الطبرسی فی تفسیر مجمع البیان; والفخر الرازی فی التفسیر الکبیر; والعلاّمة الطباطبائی فی تفسیر المیزان; والبرسوئی فی تفسیر روح البیان ; فی ذیل الآیة 22 من سورة الذاریات أو ذیل الآیة 15 من سورة النجم أو فی کلیهم .
2. صرّح بذلک المرحوم الطبرسی فی تفسیر مجمع البیان; والفخر الرازی فی التفسیر الکبیر; والعلاّمة الطباطبائی فی تفسیر المیزان; والبرسوئی فی تفسیر روح البیان ; فی ذیل الآیة 22 من سورة الذاریات أو ذیل الآیة 15 من سورة النجم أو فی کلیهم .
3. الاسفار الأربعة، ج 9، ص 176 الفصل 10 .
4. الخرائج للراوندی طبقاً لما ورد فی «مقتل الحسین» للمقرم، ص 261 ; وبحار الأنوار ج 44، ص 298 .
5. أخبار الزمان للمسعودی، ص 247 (استناداً إلى مقتل الحسین، ص 261) .
6. بحار الأنوار، ج 6، ص 287، ح 9 .

 

3 ـ جواب على اعتراضین تمهید
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma