اُعدّت للمتقین!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء السادس)
تمهید 1 ـ آراء العلماء المسلمین فی خلق الجنّة والنّار

جاء فی الآیة الاُولى والثانیة بعد الإشارة إلى سعة الجنّة وعظمتها وأنّها کعرض السموات والأرض ، إلى أنّها «أعدّت للمتقین» .

قال کبار المفسرین عند تفسیرهم لهذه الآیة أنّه یُستفاد منها أنّ الجنّة مخلوقة وموجودة الآن (1) .

وممّا یلفت الانتباه أنّ القرطبی أشار فی تفسیره لهذه الآیة قائل : «یرى غالبیة علماء الإسلام أنّ الجنّة مخلوقة الآن وموجودة ، وأنّ صریح روایات المعراج والروایات الاُخرى الواردة فی «الصحیحین» وغیرهما یفید هذا المعنى ، لکن المعتزلة رفضوا هذا المعنى ولم یعتقدوا به وقالوا: إنّها تخلق بعد نهایة هدا العالم ، وذلک لأنّها دار الثواب وهنا دار التکلیف ، وهما لاتجتمعان» (2). ولا یشکل استدلال المعتزلة هذا إلاّ مغالطة لا أکثر ولا أقل، لأنّ الحدیث هنا یدور حول خلقها حالیاً لا دخول الناس فیه .

وتناولت الآیتان الثالثة والرابعة موضوع الوجود الحالی لـ «جهنّم» إذ جاء فی إحداهما: (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِى وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ اُعِدَّتْ لِلکَافِرِینَ ) .

فتدل هذه الآیات على الوجود الحالی لجهنّم أیضاً وقد صرح بهذا المعنى جماعة من المفسرین ، رغم ما ورد بشأنها من تفسیر، وما قیل فی معنى «اُعدّت» فمع أنّه فعل ماض إلاّ أنّه یدل على المستقبل لأنّ المستقبل المؤکد یأتی أحیاناً على صیغة الفعل الماضی ، وهذا بخلاف ظاهر الآیة ، ومثل هذا التفسیر غیر ممکن بلا وجود شاهد وقرینة .

وتتحدث الآیة الخامسة عن قصة معراج النبی(صلى الله علیه وآله) قائلة : (وَلَقَد رَءَاهُ نَزلَةً أُخرى * عِندَ سِدرَةِ المُنتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ المَأْوَى ) .

لکن هل أنّ «جنّة المأوى» هی جنّة البرزخ أم أنّها جنّة الخلد؟

فالمفسرون یختلفون فی الحکم على هذا الموضوع ، فکلمة «المأوى» ربّما تستدعی إلى الذهن معنى الخلود رغم ما یفترضه کون هذه الجنّة فی بعض السموات من تداعی معنى الجنّة البرزخیة ، لأنّ جنّة الخلد تمتد على سعة الأرض والسموات .

وعلى هذا فالاستدلال بالآیة الآنفة الذکر بشأن مخلوقیة الجنّة لا یتطابق إلاّ مع التفسیر الأول ، ورجّح جماعة من المفسرین هذا المعنى، منهم: الطبرسی فی مجمع البیان والعلاّمة الطباطبائی(رحمه الله) فی المیزان .

وتتحدث الآیة التالیة عن احاطة جهنّم بالکافرین بسبب اصرارهم وعنادهم إذ یقول القرآن الکریم : (یَسْتَعجِلُونَکَ بِالْعَذَابِ وَاِنَّ جَهَنَّمَ لَـمُحِیطَةٌ بِالکَافِرِینَ ) .

إنّهم لم یؤججوا لأنفسهم جهنّم الدنیا بشرکهم وذنوبهم وعصیانهم وظلمهم فحسب بل وحتّى جهنّم الآخرة قد أصبحت محیطة بهم لاسیما مع التنّبه إلى بدایة الآیة التی تتحدث عن استعجال الکّفار بالعذاب ، ومن المناسب هنا القول: لماذا تستعجلون فإنّکم الآن فی جهنّم إلاّ أنّ حجب هذا العالم تحول دون تأثیرها المباشر علیکم ، لکن هذه الحجب ستزول یوم القیامة وتشاهدون حینها بأعینکم إحاطة جهنّم بکم (3) .

وطرح احتمال آخر فی تفسیر هذه الآیة وهو أنّها إشارة إلى یوم القیامة ، والآیة التالیة لها والتی جاء فیه : (یَوْمَ یَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوقِهِم ). (العنکبوت / 55)

هی بمثابة القید لإحاطة جهنّم .

وبعبارة اُخرى ، جُعلت هذه الجملة إشارة إلى المستقبل المؤکد ، فکما ذکرنا أنّ اللغة العربیة تعبر عن المستقبل المؤکد «المضارع المتحقق الوقوع» بالحال حیناً وبالفعل الماضی حیناً آخر .

ویمکن الاستعانة بآیات سورة الانفطار لتأکید التفسیر الأول حیث جاء فیه :(اِنَّ الاَْبْرَارَ لَفِى نَعِیم * وَاِنَّ الفُجَّارَ لَفِى جَحِیم * یَصْلَونَهَا یَوْمَ الدِّینِ * وَمَاهُم عَنهَا بِغَائِبِینَ ) .

یتّضح من هذا التعبیر أنّ «الصلی» یکون یوم القیامة إلاّ أنّ جهنّم محیطة بالکافرین الآن ، رغم أنّ الحجب تحول دون احتراقهم فی الدنی ، لاسیما ما ورد فی جملة : (وَمَا هُم عَنهَا بِغَائِبِینَ ) فهو تأکید مجدد على هذا المعنى (فتأمّل) .

وتخاطب الآیة الآخیرة منکری یوم القیامة قائلة : (کَلاَّ لَو تَعلَمُونَ عِلمَ الیَقِینِ * لَتَرَوُنَّ الجَحِیمَ ) ثم تضیف مؤکّدة :(ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَینَ الیَقِینِ ) .

ولو أننا أخذنا معنى الآیة کما هو فی الظاهر (واعتبرنا «لو» شرطاً وجزاؤها «لترونّ الحجیم») لکانت تعنی : إنّ الذین لدیهم «علم الیقین» یشاهدون جهنّم وهم فی هذا العالم، وهذا الکلام یستلزم وجودها حالی .

أثار المفسرون ضجّة فی تفسیر هذه الآیة، واختار کل منهم طریقاً خاصاً وکأنّهم فی الغالب لم یتمکنوا من هضم هذا المعنى وهو إمکانیة إشارة هذه الآیات إلى مشاهدة جهنّم فی الدنی ، ومن ثم مشاهدتها فی الآخرة .

فنحن نرى عدم إمکانیة اعتبار الآیة مکرّسة تماماً للآخرة وذلک لأنّ جمیع الکفار والمجرمین یرون جهنّم فی القیامة وهذا ممّا لایحتاج إلى الشرط ، ولهذا اعتقد جماعة بحذف جزاء الشرط هنا بل وادّعى الفخر الرازی اتّفاق المفسرین على هذا المعنى (4) . ولکن من البدیهی أنّ هذا الکلام مبالغ فیه فلیس هناک اتّفاق فی الآراء بشأن هذه المسألة ، وعلى أیّة حال فقد اعتبر جماعة من المفسرین أنّ المعنى یکون هکذ : «لو تعلمون علم الیقین لما ألهاکم التکاثر»(5).

أمّا المجموعة الأخرى التی رأت عدم صحة الرأی القائل بحذف الجزاء ، فإنّها اعتبرت الرؤیة علمیة وقلبیة ، واستناداً إلى هذا سیکون معنى الآیة :«لو أنّکم علمتم علم الیقین لأیقنتم بجهنم» .

من الواضح أنّ کلا التفسیرین الأول والثانی یخالف ظاهر هذه الآیات، لأنّ اعتبار الجزاء محذوفاً یخالف القاعدة وکذلک تفسیر الرؤیة بمعنى العلم (6) .

وعلى هذا لو أننا أخذنا الآیة کما هی من غیر حذف أو تقدیر ، وفسّرنا ألفاظها طبقاً لمعناها الحقیقی : فستکون النتیجة نفس التفسیر المذکور آنف ، وقد ارتضى بعض المفسّرین هذا المعنى ولو بأعتباره واحداً من الاحتمالات على أقل تقدیر .

ویلحظ فی الروایات الإسلامیة تعابیر واضحة تتسّق وهذا المعنى، من جملتها القصّة المشهورة لذلک الشاب المؤمن والتی وردت فی کتاب الکافی وبصورة حدیث منقول عن الإمام الصادق(علیه السلام) أنّه قال «إنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) صلّى بالناس الصبح ، فنظر إلى شاب فی المسجد وهو یخفق ویهوی برأسه ، مصفرّاً لونه ، قد نحف جسمه وغارت عیناه فی رأسه ، فقال له رسول الله(صلى الله علیه وآله) کیف أصبحت یافلان؟ قال : أصبحت یارسول الله موقن ، فعجب رسول الله(صلى الله علیه وآله) من قوله وقال : إنّ لکل یقین حقیقة فما حقیقة یقینک؟ فقال :إنّ یقینی یارسول الله هو الذی أحزننی وأسهر لیلی واظمأ هواجری فعزفت نفسی عن الدنیا وما فیها حتى کأنّی أنظر إلى عرش ربّی وقد نصب للحساب وحُشر الخلائق لذلک وأنا فیهم وکأنّی أنظر إلى أهل الجنّة ، یتنعمون فی الجنّة ویتعارفون وعلى الارائک متکئون وکأنّی أنظر إلى أهل النّار وهم فیها معذبون مصطرخون وکأنّی الآن أسمع زفیر النّار یدور فی مسامعی ، فقال رسول الله(صلى الله علیه وآله) لأصحابه : هذا عبدٌ نوّر الله قلبه بالإیمان ، ثم قال له ، ألزم ما أنت علیه ، فقال الشاب : ادع الله لی یارسول الله أن اُرزق الشهادة معک فدعا له رسول الله(صلى الله علیه وآله) فلم یلبث أن خرج فی بعض غزوات النبی(صلى الله علیه وآله) فاستشهد بعد تسعة نفر وکان هو العاشر» (7) .

و جملة «کأنّی الآن اسمع زفیر النّار یدور فی مسامعی» دلیل على وجود جهنّم حالیاً وأنّه یراها بعینه عن طریق الإیمان الممتزج بالشهود .

ویُستفاد من مجموع الآیات المذکورة أنّ الجنّة والنّار مخلوقتان وموجودتان حالیاً ولو عُرِض هناک شکّ فی دلالة بعض هذه الآیات لا یمکن على أقلّ تقدیر ـ التشکیک فی دلالة المجموع ، وخاصة الآیات التی تدور فیها کلمة «أعدّت» .


1. تفسیر مجمع البیان، ج 2، ص 504; و تفسیر الکبیر ، ج 9، ص 4; و تفسیر روح البیان، ج 2، ص 94; و تفسیر روح الجنان، ج 3، ص 188 ; و تفسیر القرطبی، ج 2، ص 146 ; و تفسیر روح المعانی، ج 4، ص 51 ; و تفسیر المنار، ج 4، ص 132 .
2. تفسیر القرطبی، ج 2، ص 1447 .
3. رجح المرحوم العلاّمة الشعرانی هذا المعنى فی هامش تفسیر روح الجنان، ج 9، ص 30 .
4. تفسیر الکبیر، ج 32، ص 78 .
5. تفسیر مجمع البیان، ج 10 ، ص 530 .
6. کلمة «الرؤیة» تفید معنى العلم أیضاً وذلک فیما لو تعدت إلى مفعولین ، بینما هذه الآیة لیست کذلک ، وینبغی الالتفات إلى أنّ الآیة التالیة « ثم لترونّها عین الیقین» یمکن أن تشیر إلى القیامة.
7. اصول الکافی، ج 2، ص 53 باب حقیقة الإیمان ، ح 2 (مع بعض التلخیص) .

 

تمهید 1 ـ آراء العلماء المسلمین فی خلق الجنّة والنّار
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma