أشرن فی البحث السابق إلى ألبسة أهل الجنّة، وسنتطرق فی هذ البحث إلى حلیهم أیض .
من المعلوم أنّ للحلی والزینة المناسبة أثر نفسی کبیر على روح الإنسان، فتبعث فیها الارتیاح والانبساط والبهجة ، وإذا لم تخرج عن حد الاعتدال فلا باس فی ذلک وهو عمل مرضی ، لذا نجد أنّ الکثیر من الآیات القرآنیة والروایات أکدت على الزینة والتجمل والتطیب حتى أثناء العبادة ومن جملته : ارتداء الألبسة الطاهرة ، اختیار الألوان المناسبة ، تمشیط الشعر ، استعمال العطور والطیب ، والتختم بالیمین ونحو ذلک .
ویستفاد من آیات عدیدة من القرآن أنّ أهل الجنّة یتجملون ویتزینون بأفخر أنواع الحلی ، وبهذا فهم یتمتعون بلذة نفسیة کافیة ، ولقد ورد فی ثلاث آیات من القرآن الکریم قوله تعالى : (یُحَلَّوْنَ فِیهَا مِنْ اَسَاوِرَ مِنْ ذَهَب ).(1)
«أساور» : جمع (اَسْوِرَة) على وزن (تجربة) وهی أیضاً جمع (سُوار) على وزن (غبار) و(کتاب) ومشتقة من الکلمة الفارسیة (دستوار) .
ولقد صرحت آیتان من الآیات الثلاث بالإضافة إلى (الذهب) بـ (اللؤلؤ) أیضاً، ویقول بعض المفسرین أنّها إشارة إلى أساور الجواهر واللؤلؤ، ولو أخذنا بنظر الاعتبار أنّ (اللؤلؤ) عطف على محل (من أساور) وهو منصوب فیکون بمنزل المفعول به ل «یحلون» فیکون معنى الآیة هکذا: (یُحَلَّونَ فِیهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَب وَ لُولُؤاً وَ لِبَاسُهُم فِیهَا حَرِیرٌ ) .(الحج / 23)
ومن الممکن أن تکون زینة اللؤلؤ مشتقة من الأساور، وکذلک یمکن أن تکون جزءاً منها.
ویحتمل البعض : أنّ أهل الجنّة بالإضافة إلى تزینهم بأساور من ذهب کذلک أنّهم یتزینون بأساور من اللؤلؤ الخالص أیض .
ولقد أشار القرآن الکریم فی موضع واحد إلى (أساور الفضة): (وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّة ) . (الانسان / 21)
من هنا یطرح هذا السؤال : أنّ الأساور سواء کانت من ذهب أو من فضة فهی من زینة النساء ، ولا یتحلى الرجال عادة بالأساور فهل یختلف الأمر فی الجنّة ؟
یجب أن نلاحظ هذه المسألة وهی أننا نجد وفی أماکن مختلفة من هذا العالم أنّ کلا الجنسین یتزینون بالأساور ولا یختص بالنساء فقط .
ویتبیّن من اعتراض فرعون على موسى الذی کان یقول : (فَلَولاَ اُلْقِىَ عَلَیهِ اَسْوِرَةٌ مّـِنْ ذَهَب ). (الزخرف / 53)
إنّ هذا الموضوع کان له شیاع فی عرف أهل مصر، وتدل الزینة على شخصیة الرجال وعظمتهم .
لقد أشرنا فی البحوث السابقة ولمرات عدیدة إلى هذه المسألة وهی أنّ القرآن یحدثنا بلغتنا وماهو سائد عندن ، ومن البدیهی أنّ زینة أهل الجنّة وحتى زینتهم المادیة هی أعلى من أن تحیط بها أفکار أهل الدنی .
1. الکهف ، 13 والحج، 23 وفاطر، 33.
