کان البحث هل روح الإنسان حقیقة ثابتة و تفوق الطبیعة أم خاصیة تتوقف على البدن و دائماً فی حالة تغیر.
فهل للدماغ نشاط فکری کما للفم نشاط إفراز البزاق و الکبد الصفراء بحیث تفنى الروح بفناء الدماغ؟ أم هی کالسفن الفضائیة التی تنفصل صواریخها عنها الواحد بعد الآخر بعد أن تنطلق على شکل مراحل بحیث تستمر بسرعتها فی مواصلة حرکتها، فروح الإنسان أیضا بعد أن تنفصل عن البدن تبقی فی عالم الأرواح و تواصل مسیرتها؟ لقد ذکرنا لحدّ الآن بعض الأدلة على إثبات نظریة إستقلال الروح و إلیک الآن الدلیل الآخر:
نفرض إنّنا جلسنا على ساحل بحر تتحرک فیه عدّة زوارق صغیرة وسفینة عظیمة، و نشاهد الشمس تغرب من جانب، کما نشاهد القمر یطلع من جانب آخر، و طیور الماء الجمیلة تعوم دائماً على ماء البحر تحط وتنهض، و کان بجانبنا جبل شامخ یرتفع إلى عنان السماء.
و الآن لنغمض أعیننا لحظات و نتمثل کل ما رأیناه فی أذهاننا: جبل بذلک الإرتفاع و بحر بتلک السعة و سفینة عظیمة بتلک الضخامة، هذا ما یتجسد فی أذهاننا و هی کاللوحة الکبیرة جداً التی توجد أمام أرواحنا أو باطن أرواحنا.
و الآن یطرح هذا السؤال: أین موضع هذه اللوحة الکبیرة؟
هل یسع خلایا الدماغ الصغیرة إستیعاب مثل هذه اللوحة العظیمة؟
قطعا لا، بناءاً على هذا لابدّ أن نمتلک قسما آخر من الوجود یفوق هذه المادة الجسمانیة و هو على قدر من السعة بحیث یستوعب فی نفسه جمیع هذه اللوحات.
هل یمکن تطبیق خارطة عمارة ذات خمسمائة متر على أرض ذات مائة متر؟
هل یمکن بناء صالة ریاضیة بعشرة آلاف متر على أرض مساحتها متر واحد؟!
قطعاً إجابة هذه الأسئلة بالنفی، لأنّ الوجود الکبیر و بحفظه لکبره لا ینطبق قط على الوجود الصغیر، فلیزم من الإنطباق التساوی أو أن یکون أصغر ممّا یراد له الإنطباق علیه.
و على هذا الأساس کیف نستطیع إستیعاب الألواح الذهنیة الخارقة فی الکبر فی الخلایا الدماغیة الصغیرة؟
إننا نستطیع أن نرسم فی أذهاننا الکرة الأرضیة بخرامها البالغ أربعین ملیون متر و کذلک نستطیع أن نتمثل فی فکرنا الشمس التی تکبر الأرض بملیون و مئتی مرّة و کذلک المجرّات التی تفوق حجم الشمس بملایین المرّات، فلو أرید لهذه الصور أن تنطبق على الخلایا الدماغیة الصغیرة لتعذر ذلک طبق قانون عدم إنطباق الکبیر على الصغیر، و علیه فلابدّ أن نعترف بوجود یفوق هذا الجسم هو مرکز إستیعاب هذه الصور الکبیرة و لیس له أی بعد مادی.
