إنهمک بعض المادییون فی حلّ المشکلة الکبرى المتمثلة بوحدة الشخصیة، فقالوا أحیاناً: «أنا» مجموعة من التصورات المختلفة و المتتالیة التی تطرأ على الذهن، و بناءاً على هذا فإنّ الإتصال و الإرتباط لهذه الإدراکات تشکل سلسلة واحدة تعرّف وحدة شخصیتنا طیلة العمر.
و یقول الدکتور آرانی: «إنّ مفهوم الذات یوجد بصورة منظمة و بشکل متوالی فی أزمان متوالیة فی الکائنات الحیّة السالمة، و لا تنقطع إلاّ بواسطة النوم، و یمکن أن یظهر الإختلال فی الذات بواسطة المواد المخدرة والمسکرات».(1)
ولکن یلزم من هذا الکلام إنقطاع الأنا و تبدل و عدم وحدة الشخصیة، لأنّ الأنا التی أتى بها الدکتور آرانی بالضبط کأقمشة مصنع لحیاکة الأقمشة التی تتبدل باستمرار إلاّ أنّها متصلة مع بعضها.
و من هنا فقد أضطر البعض للقول: للأنا حیثیة نسبیة، فکل شخص من جهة هو نفسه و من جهة غیره، کما یقول فی نفس الکتاب:
«فی الوقت الذی أنا نفسی فأنا لست نفسی، أنا ذلک الثابت، و لکن المتغیر أیضا، أفضل مثال لفهم هذه القضیة التشبیه بالنهر، فالنهر جاری وکل لحظة تختلف عن اللحظة السابقة و مع ذلک فهو نفس النهر»(2)
و یبدو هذا الکلام عجیباً، لأنّ معناه هکذا: أنا لست ذلک الشخص قبل عدّة سنوات و قد تغیّرت حقیقة إلاّ أنّی أظن أنّی أنا!... و هذا على خلاف ضمیر أی شخص.
و ناهیک عمّا سبق فان «أنا» لست مجموعة من التصورات، و التصورات عملی (أنا)، إذن فما هذه «الأنا» المبدأ للتصورات؟
لیس لهم جواب قانع على هذا السؤال و لایستطیعون أن یرونا موجوداً ثابتاً طیلة العمر کأساس لوحدة شخصیتنا.
1. علم النفس، ص 104.
2. علم النفس، ص 106.
