کثر الکلام فی المتون الإسلامیة عن میزان الأعمال و یرى البعض أنّ هناک میزاناً کالذی نراه فی هذا العالم، و لذلک تکلّفوا عناء وجوده و ماذا یزن.
1ـ نفس الأفراد
2ـ صحف الأعمال
3ـ تجسم الأعمال له وزن
و کل ذلک لأنّهم فسّروا المیزان و الوزن على ضوء المفاهیم العادیة التی نتعامل معها فی الحیاة الیومیة و الحال ورد مفهوم أوسع و أجمع له فی القرآن الکریم: (وَ السَّماءَ رَفَعَهَا وَ وَضَعَ الْمِیزَانَ)(1).
(وَ أنْزَلْنا مَعَهُمْ الْکِتَابِ وَ الْمِیزَانَ)(2)
توضیح ذلک: هناک معیار لدى کل قوم وملّة لتعیین القیم حیث یمکن القول لهذا المیزان إمکانیة تحدید مصیرها، على سبیل المثال فمقیاس العلم و العالم فی دنیاه المادة غیر مقیاس مدرسة الأنبیاء و الأولیاء والوحی، فالیوم یطلق العالم على من یمتلىء دماغه بأکثر عدد من القواعد والمعادلات و له معرفة بطبیعته و أسراره و کیفیة الاستفادة منه و قد قضى شطراً من عمره فی الجامعات و المختبرات و تفوق فی الإمتحانات، و لا فرق فی أن یسخر هذا العلم لخدمة البشریة أو لخدمة القنابل و الصواریخ العابرة للقارات أو الرؤوس النوویة أو صنع المخدرات، أو الدفاع عن عصابات اللصوص الدولیین حین یمثلون فی المحاکم أو فی خدمة المنظمات الإستعماریة و الاقتصادیة العالمیة.
بینما تکتسب هذه الکلمة معنى آخر لدى أولیاء الله کعلی(ع) الذی یرى العالم من یقوم على مصالح الناس و یوظف العلم فی سبیل نجاة البشریة ویتحمل هموم الاُمة و إلاّ فلیس هو بعالم. (وَ مَاأَخَذَ اللهُ عَلَى الْعُلَماءِ اَلّایُقارُّوا عَلَى کِظَّةِ ظَالِم وَ لاسَغَبِ مَظْلُوم)(3).
نعم، فمقیاس العلم و الشخصیة و القیم الإنسانیة و السعادة و الشقاء مختلف تماماً بین الشعوب و أقوام، فمحیط عرب الجاهلیة الذی یرى الشخصیة فی السلب و النهب و کثرة الأولاد الذکور إنّما ناتجه حفنة من اللصوص بتعدد الزوجات دون حساب، أمّا حین أصبح العلم و الورع والتقوى هو المقیاس بظهور الإسلام فقد تغیّرت الأوضاع کلیاً و ظهرت حصیلة أخرى تباین سابقتها.
إنّ أحد أهداف رسالات الأنبیاء هو منح الضوابط و المعاییر الواقعیة الصانعة للإنسان، و الآیة 25 من سورة الحدید إشارة إلى هذه الحقیقة، ومن هنا نرى المیزان بوسیلة المعیار المعنوی الذی یشبه المیزان الحسی فقط فی النتیجة یعنی تعیین الوزن الواقعی ـ جدیر بالذکر ورد فی إحدى زیارات أمیرالمؤمنین علی(علیه السلام): (اَلسَّلامُ عَلَیْکَ یَا مِیزَانَ الاَعْمَالِ).
فهنا یصبح الإنسان الکامل هو المیزان للأعمال ولکل أن یعلم وزنه وقیمته على أساس مدى شباهته به فی الإیمان و العمل و التقوى و العدالة والشجاعة،فهو میزان دقیق ووسیلة إختباریة تامة و کاملة للقیم الإنسانیة.
و نرى الیوم بعض الموازین الدقیقة تؤثر علیها حتى حرکة الریح و کتابة کلمة واحدة، و کذلک هناک میزان ضغط الدم و الحرارة و حتى مقدار إستعداد الإنسان و ذکائه، بینما لیس لدینا أی میزان للعمل الصالح والسیىء مقدار الإخلاص وحسن النیة و دوافع الأعمال. مثلا ورد فی روایة أنّ مثل الشرک فی الأمّة أخفى من دبیب حشرة سوداء فی لیلة ظلماء على حجرة صماء.
فمن المسلم به أنّ حرکة تلک الحشرة تؤثر على الحجرة و ینبعث من حرکتها علیها صوت مرتفع، إلاَ أنّه زهید إلى درجة أننا لا نستطیع حسابه بأیة وسیلة، فبطریق أولى لیس لدینا من وسیلة لمعرفة نفوذ الأفکار المنحرفة إلى نیّة الإنسان التی تعتبر أدق و أظرف من سابقتها، لکن من المفروغ منه أنّ هناک مثل هذه الوسائل فی العالم الآخر، نعم کل ما نعرفه أنّها موجودة، بینما لا نعلم کیفیتها و خصائصها.
1. سورة الرحمن، الآیة 7.
2. سورة الحدید، الآیة 25.
3. نهج البلاغة، الخطبة 3 (الشقشقیة).
