الطریق الثانی

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
المعاد و عالم مابعد الموت
الطریق الأول: التذکیر بالخلق الأول الردّ على إشکال مهم

هناک عیب کبیر یتخلل نظرتنا على الدوام و هو:

لایلفت إنتباهنا عادة فی حیاتنا الیومیة سوى الأشیاء التی تصطدم بها بصورة إستثنائیة، أمّا تلک التی نعیشها دائماً و بصورة مرتبة ـ مهما کانت خارقة و عجیبة و تنطوی على الدروس و العبر ـ فقلّما تسترعی إلیها إنتباهنا!

فعادة ما یتجمع الناس حول مشهد أو لوحة أو ثوب مهما کان عدیم الأهمیّة إن کان متفاوتاً مع مارأیناه لحدّ الآن على أنّه موضوع یثیر التعجب و الدهشة، بینما لا تثیر مشاعرنا و أفکارنا أجمل و ألطف و أعمق کائنات هذا العالم إن کانت معنا دائماً، إنّنا نعرف الکثیر من الأفراد الأفذاذ والخارقین ولیس لهم من عیب سوى أنّهم یعیشون بیننا و على مقربة منّا، ومن هنا لا نعیر نبوغهم أیّة أهمیّة ولا نکترث لأفکارهم السامیة و روحهم العالیة! و بالعکس فإنّنا نعرف بعض الأفراد العادیین الذین نطریهم بمختلف طقوس الإحترام والإعتزاز، و ما ذلک إلاّ لأنّهم ماتوا و إنقطعوا عنّا، إنّ هذا نوع من الاُسلوب السطحی الساذج فی التفکیر، و المؤسف له أنّه یسود کافة

طبقات المجتمع حتى الخواص منهم.

لا نرید أن نبتعد عن أصل الموضوع، ففی عالم الطبیعة الذی نعیش فیه نرى کراراً قضیة إحیاء الموتى، غیر أنّها و بسبب تعایشنا معها فهی لا تسترعی إنتباهنا.

… یحل فصل الخریف، نتجول فی الصحارى و السهول و ما زال کل شیء لحدّ الآن قد إحتفظ بصورته الطبیعیة فنرى الأشیاء ذابلة و شاحبة، أوراق الأشجار تلفظ أنفاسها الأخیرة و تسعى جاهدة للإلتصاق بأغصان الشجرة وبالتالی تستسلم لریاح الخریف الباردة فتسقط على الأرض، الأغصان هی الاُخرى تعیش حالة الجفاف و الذبول و کأنّ الحیاة لم تدبّ فیها أبداً، فإذا لاحت بوادر فصل الشتاء تسلطت عوامله الطبیعیة لتحیل الأشجار إلى جثث هامدة عاریة یسودها الصمت التام فلا من طراوة و لا ورق و لا ورد و لا ظل، و لم یبق منها سوى ساق أجرد أشبه بجهاز عظمی مهموم لاروح فیه ولا حرکة کالعظام النخرة التی تبقى من أجساد الأموات.

و لعل هذه الصورة تتجلى بوضوح فی الصحاری القاحلة القفراء کصحراء الحجاز ـ التی لا تصلها سوى میاه الأمطار الموسمیة ـ فهی تبدو فی فصل الشتاء بالضبط کالمقابر القدیمة و المتروکة، حتى، صوت البوم لا یسمع فیها بصفته الرفیق الحمیم لمثل هذه الأماکن! ثم لایلبث ذلک طویلا تلوح آفاق فصل الربیع بنسیمه الحیوی و أمطاره المناسبة و حرارته المعتدلة الخلاّبة وبالتالی بجمیع برکاته التی تجعل الأرض تتنفس الحیاة لتدب فی تلک العظام الخاویة للأشجار، کما تفیض الحیاة و الحرکة و النشاط على تلک الصحاری القفار التی کانت تفوح منها رائحة القبور القدیمة و المتروکة، وأخیراً فإنّ قیامة عظیمة تقوم لتجتاح أنحاء عالم الطبیعة.

لا شک إنّ موت الطبیعة و بعثها الذی نشاهده کراراً طیلة سنوات عمرنا، ما هو إلاّ نموذج حی لقیامة البشریة و بعثها للحیاة ما بعد للموت. فما الفارق فی ذلک، فقانون الموت و الحیاة واحد فی کل مکان.

فلو لم تکن هناک من حیاة بعد الموت، لما إنبغى أن تستثنى الأراضی الموات من هذا القانون.

و إن کان ممکناً، فهو ممکن کذلک بالنسبة لأفراد البشر.

فإذا لم یکن هناک أی أثر للحیاة فی تلک الصحراء الجافة بالأمس، حتى لا یسمع فیها صوت البوم الشغف بذلک المکان فیسارع للهرب منه، بینما إخضرت و غرقت فی الحیاة و النشاط و الحرکة الیوم بفعل إرتفاع درجة حرارة الجو و هبوب الریاح المعتدلة و هطول بعض الأمطار، فما بالنا لا نعمم هذا القانون على موت الإنسان و حیاته، حقاً ما الفارق بین هذین الأمرین.

هذه هی إحدى صور القیامة التی نمرّ علیها دائما مرور الکرام.

و قد تعرض القرآن الکریم على لسان العدید من الآیات إلى هذه الحقیقة بهدف الإرشاد إلى قیامة الناس، فقد جاء فی بعض الآیات:

(وَ اللهُ الَّذی اَرْسَلَ الرّیَاحَ فَتُثِیرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ اِلى بَلَد مَیِّت فَأَحْیَیْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا کَذَلِکَ النُّشُورُ)(1). و کما نلاحظ فإنّ قیامة البشریة قد قورنت بقیامة عالم النبات.

(وَ نَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَکاً فَاَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّات وَحَبَّ الْحَصید * وَ النَّخْلَ بَاسِقَات لَهَا طَلْع نَضِید * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَاَحْیَیْنَا بِهِ بَلْدَةً مَیْتاً کَذلِکَ الْخُرُوجُ)(2).

(وَ تَرَى الأَرْضَ هَامِدةً فَاِذَا اَنْزَلْنَا عَلَیْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَاَنْبَتَتْ مِنْ کُلِّ زَوُج بَهِیج * ذَلِکَ بِاَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَ اَنَّهُ یُحیىِ الْمَوتى وَاَنَّهُ عَلَى کُلِّ شَىْء قَدِیر)(3).

و بهذا الشکل أصحبت قضیة الحیاة بعد الموت على هیئة أمر حسی وملموس یتکرر أمام العین کل سنة، بعد أن کانت تراه الجاهلیة أمراً محالا وغیر معقول و حتى جنونی.


1. سورة فاطر، الآیة 9.
2. سورة ق، الآیة 9 ـ 11.
3. سورة الحج، الآیة 5 ـ 6.

 

الطریق الأول: التذکیر بالخلق الأول الردّ على إشکال مهم
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma