لقد کان یوماً بین هذه الذرات المؤلفة لأبداننا مسافة تتجاوز ملایین الکیلو مترات و کانت متناثرة فی کل مکان، فهل یمکن أن ترتبط مع بعضها بعد تشتتها ثانیة بعد الموت؟
لقد حدثت هزة عنیفة فی وسط الوثنیین فقد تزلزلت دعائهم الوثنیة، فقد ظهر دین جدید، دین التوحید، دین عبادة الله الواحد الأحد و الذی أخذ ینتشر بین الناس بالسرعة و یسیطر على أفکارهم و لاسیّما الشباب الذین إستقطبهم بصورة أعمق من غیرهم.
إثر ذلک عقدت الجلسات و الندوات الصغیرة و الکبیرة و نظمت الاجتماعات فی الأوساط العالمیة و الأندیة و الأسواق و المسجد الحرام و فی بیوت المشرکین بهدف مواجهة هذا الدین و الحیلولة دون إنتشاره و نفوذه، و کان کل فرد یفکر فی العثور على نقطة ضعف فی هذا الدین الجدید الذی سدد ضرباته لدینهم القدیم. و فجأة إنبرى أحدهم من زاویة فی المجلس لیقول: (هَلْ نَدُّلُکُمْ عَلَى رَجُل یُنَبِّئُکُمْ اِذَا مُزِّقْتُمْ کُلَّ مُمزَّق اِنَّکُمْ لَفی
خَلْق جَدید * اَفَتَرى عَلَى اللهِ کَذِباً اَمْ بِهِ جِنَّة)(1)
نعم کان الإعتقاد بعالم الآخرة و بعث الموتى و وقوفهم للحساب آنذاک هو نوع من أنواع الجنون أو توجیه التهمة لله سبحانه، کما أن إنبثاق الحیاة من المادة الصماء التی لاروح فیها هو الآخر کان یمثل أمراً جنونیاً لایمکن تصوره، و بالطبع لایبدو هذا النمط من التفکیر مستغرباً من أولئک الأفراد ممن یعیشون فی «ضلال مبین» و لم یشموا لسنوات مدیدة نسیم العلم والمعرفة.
إلاّ أنّ الطریف ماینبغی معرفته من القیامة التی أحدثها القرآن الکریم بشأن مسألة یوم القیامة، حیث إعتمد الأدلة اللطیفة و الأمثال الرائعة والمنطق السهل والممتنع الذی یجتمع علیه عوام الناس ممن لاحظ لهم من معرفة وعلمائهم و مفکریهم.
و لعلک لا تشاهد صفحة من القرآن خلت من ذکر عالم الآخرة و الحیاة بعد الموت و المسائل ذات الصلة، و هذا بدوره یوضح الأهمیة التی أولاها القرآن لهذه المسألة المهمّة.
و بصورة عامة یمکن تقسیم آیات القیامة من حیث الدلیل و البرهان إلى سبعة طوائف بحیث تفتح کل طائفة بدورها نافذة على هذه المسألة الکبرى المهمّة و تعد طریقاً واضحاً و مطمئناً.