هل لحظة الموت هی لحظة وداع کل شیء؟ لحظة نهایة الحیاة؟ لحظة الغربة الأبدیة و الإنفصال المطلق عن هذا العالم، و تحلل و عودة المواد المؤلفة لبدن الإنسان إلى عالم الطبیعة؟
أم هی لحظة الولادة الجدیدة؟
أم هی خروج ثانی من رحم الدنیا إلى عالم واسع و شامل آخر؟
أم تحطیم قضبان سجن رهیب؟
أم التحرر من قفص ضیق و صغیر و إفتتاح نافذة نحو عالم روحی واسع بعید عن الزخارف المادیة لهذا العالم و مجانب للهم و الغم و الألم و المعاناة والعداوة و الکذب و الظلم و الجور و الإجحاف و ضیق النظر و الحقد والضغینة والحرب و القتال، و بالتالی کل المنغصات و الکدورات التی ینطوی علیها هذا العالم؟
بغض النظر عن مدعى صحة الرؤیتین المذکورتین و إقترابها من الحقیقة والمنطق ـ و بالطبع سنتحدث فی الأبحاث القادمة باسهاب عن هذا الموضوع ـ فإنّ الرؤیة الاُولى تبدو مظلمة و مخیفة و ألیمة و الثانیة جمیلة ورائعة و هادئة.فصورة الموت على ضوء النظرة الاُولى تجعل شربت الحیاة ـ مهما کانت الحیاة مرفهة ـ علقماً مریراً على الإنسان أو تضطره للخضوع لأی شیء والاستسلام لأی ظروف من أجل الفرار من الموت.
و القضیة على العکس تماماً بالنسبة للنظرة الثانیة التی یسعها جعل شربت الحیاة عذباً و شربت الشهادة فی سبیل الحق و الأهداف السامیة أعظم عذوبة وحلاوة، و تلقن الإنسان بعدم الاستسلام لأی شیء و الانحناء لأی شرط بسبب هذه الحیاة، بل علیه أن یکون حرّاً فی دنیاه و لایخشى الموت المشرف! والخلاصة فإنّ الموت لیس مرعباً دائماً، فقد تکون هذه الحیاة أعظم منه رعباً أحیاناً.