القیامة فی باطنکم

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
المعاد و عالم مابعد الموت
عامل مؤثر واقی و عامل محرک قوی القیامة ردود على الألغاز

إنّ هذه المحکمة التی یتحد فیها القاضی و الشاهد و منفذ الأحکام والتی تستقر فی أعماق أرواحنا جمیعاً هی نموذج حی على محکمة العدل الإلهی فی القیامة و البعث.

و الیوم حین یراد إنشاء بنایة أو مصنع فانّهم عادة ما یصنعون مسبقاً نموذجاً مصغراً یشتمل على کافة مشخصات و مواصفات تلک البنایة الضخمة أو المصنع الکبیر لیکون مثالا و نموذجاً یحتذونه فی عملهم وهو ما یصطلح علیه بالمجسمة.

و الإنسان أعجوبة عالم الخلقة هو مجسمة صغیرة جدّاً و مختصرة للعالم، مع فارق هو أنّ هذه المجسمة قد أعدت بعد کل ذلک، لأنّ صانعها ومصممها لم یعدها على غرار الصانعین من الأفراد بهدف تلافی الأخطاء بسبب علمهم المحدود، فالمفروغ منه أنّ الصغر و الکبر یجری علینا بفضل محدودیتنا، بینما هما سیّان بالنسبة لمن کان مطلقا و لامتناهیاً فی علمه وقدرته.

و العجیب فی هذه المجسمة الإنسانیة أنّها حملت نموذجاً دقیقاً لکل شیء بما فی ذلک الأسرار و القوى و العجائب و الدوافع و المنظومات و الکواکب والحیوانات بخلقها و طبائعها و الملائکة بروحیاتها و هکذا کل شیء

قد أختصر فیها، و ما أروع تلک العبارة التی وردت فی الشعر الذی ینسب إلى أمیرالمؤمنین علی (علیه السلام) أنه قال:

«و تزعم أنّک جرم صغیر و فیک *** إنطوى العالم الأکبر!»

لقد ظهر الیوم مشروع للاستفاده من المایکروفیلم فی مکتبات العالم الضخمة بهدف حل مشکلة مکان الکتاب، فمثلا یمکن حشر کبار المکتبات فی صندوق من خلال استعمال أفلام غایة فی الصغر، فإذا برزت الحاجة کبّروا تلک الأفلام بمجاهر خاصة لیتمکنوا من مطالعة مایریدون، و کأن هذا الإنسان بمثابة ذلک المایکروفیلم لمکتبة الخلق العظیمة، و کفاه ذلک فخراً.

و هذا تشبیه رائع بین کبیر العالم و صغیرة و الذی أخذ یتضح أکثر فأکثر بوسطة التطور و التقدم الذی أحرزه العلم، و إنّنا لنرى نماذج أصغر من ذلک فی سائر موجودات العالم.

البنیة المذهلة للذرة هی مجسمة للمنظومة الشمسیة العظیمة بتلک السیارات و الحرکة الدورانیة العجیبة، و المنظومة الشمسیة بدورها مجسمة للمجرّات و کذلک بُنیة الخلیة التی لایمکن الوقوف على جمالیتها و روعتها إلاّ بالمجهر مجسمة لبُنیة الشجرة و الحیوان و الإنسان.

البذرة الصغیرة للزهور و الخلیة الحیّة الکامنة إلى جوار کل نواة، والنطفة الصغیرة المعلقة فی صفار البیضة، کل واحدة منها نموذج لطیف وجمیل لباقة ورد أو شجرة عملاقة مثمرة أو دجاجة جمیلة، فکل ما کان فی تلک النماذج موجود فی هذه و لابدّ أن یکون کذلک، أو لیس عالم الوجود وحدة واحدة متصلة مع بعضها؟

إن هذا التشابه بین العالم الصغیر (الإنسان) و العالم الکبیر یجعلنا نلتفت إلى أنّ کل ما فی العالم الکبیر یوجد نظیره فی الإنسان، و العکس بالعکس،

فما کان فی الإنسان یلفت نظرنا إلى وجود شبیهه فی العالم الکبیر (إحتفظ بهذا فی ذهنک).

یوجد فی باطن الإنسان محکمة صغیرة یصطلح علیها الیوم «الوجدان» ویسمیها الفلاسفة «العقل العملی» و وردت على لسان الآیات القرآنیة باسم «النفس» أو «النفس اللوامة» و یطلق علیها العرب إسم «الضمیر»، و حقاً إنّها لمحکمة عجیبة لا تعدلها کافة محاکم الدنیا بکل أجهزتها وأبهتها وعرضها وطولها.

محکمة یتحد فیها «القاضی» و «الشاهد» و «منفذ الأحکام» و «الحاضر» وهو ما اصطلحنا علیه بالوجدان.

و هذه المحکمة و خلافاً للمحاکم الصاخبة التی قد تطلب أصول المحاکمات فیها خمس عشرة سنة، فهی لا تحتاج إلى الوقت، نعم قد تطلب ساعة أو دقیقة أو لحظة لیتم فیها کل شیء.

لیس هنالک من سبیل للاستئناف و التمییز و إعادة النظر و الدیوان العالی والتی تفید جمیعاً عدم الوثوق بممارسات المحکمة السابقة إلى هذه المحکمة، فلأحکامها مرحلة واحدة فقط، ولاغرو فالثقة و الإعتماد هی الحاکمة هنا.

لیس فیها الانحرافات التی تشوب أعمال القضاة فی المحاکم الرسمیة من قبیل الخوف من المسؤولین و الانفعال بالوصایا و الوساطات و إصدار الأحکام لصالح هذا و ذلک بعیداً عن العدل و الإنصاف و الإغترار بالرشوة والأموال و ما إلى ذلک، نعم، العیب الوحید فی هذه المحکمة أنّه یمکن إستغلال صفائها وطهرها و بالتالی خداعها و تصویر الحق لها باطلا و العکس بسبب عدم عصمتها و محدودیة علمها و معارفها مهما بلغا.

و من هنا نقول إنّ الضمیر بمفرده لایمکنه أن یحّل محل الدین، مع ذلک فلعل إنحرافه لایتجاوز الواحد بالألف مقارنة بالانحرافات التی تخترق المحاکم البشریة.

و من ممیزات هذه المحکمة أنّها تعاقب المجرمین و کذلک تکرم المحسنین، خلافاً للمحاکم الرسمیة التی لا أحظى فیها بکلمة شکر ولو إلتزمت لمئة سنة بالقوانین و لم أنتهک حرمتها، بل حتى لو خلت صحیفة أعمالی من أدنى مخالفة، فمثل هذه المحکمة لیس من شأنها التعامل مع الأعمال الحسنة و تقتصر وظیفتها على معالجة الأعمال السیئة.

القضیة الأخرى التی تمیز هذه المحکمة عمّا سواها هو أنّ عقابها ینبعث من باطن الإنسان و هو على درجة من الشدّة و الألم بحیث قد تضیق الدنیا برحابتها وسعتها على هذا الإنسان فتکون أضیق علیه حتى من الزنزانة الإنفرادیة.

قد یکون ذنب الإنسان أحیاناً کبیراً للغایة فیشتد عذابه حتى یکاد یعیش الجنون، بل قد یعانی من و طأة ذلک العذاب حتى یتمنى معه الإعدام أملا فی الخلاص من لهیب ذلک العذاب الذی قد لا تطیقه الجبال بینما لایراه من أحد.

إلى جانب ذلک فإنّ ثواب هذه المحکمة أیضاً على درجة من الجلال والعظمة بما لایمکن وصفه و هذا ما نصطلح علیه بسکینة الضمیر حیث لیس لدنیا مفردة أخرى تبلغ ذلک الوصف.

یقال: إنّ أحد أسباب إتساع الأمراض النفسیة فی عصرنا یعزى إلى

إستفحال الخطیئة فی أوساط المجتمعات المعاصرة، فالآثمون مهما تخلصوا من بعض الأمور فإنّه لایسعهم الخلاص من عذاب الضمیر و تأنیبه، و ما هذه الأمراض النفسیة المختلفة إلا إنعکاسات لذلک العذاب و التأنیب.

إنّنا لنعرف الکثیر من الشخصیات السیاسیة المعروفة التی تفقد جمیع قواها و طاقاتها خلال مدّة قصیرة و تستسلم للموت لمجرّد سقوطها ممّا کانت تحظى به من مقامات و مناصب.

و لعل أحد العوامل المهمّة لذلک هی أنّهم حین کانوا یتصدون للأعمال لم یکونوا یصغون لصوت الضمیر ـ تجاه المخالفات التی کانت تسود حیاتهم ـ أمّا الآن و قد تبخر ذلک الصخب و النشاط فقد أخذت محکمة الضمیر تشدد خناقها علیهم فأخذوا یترنحون على ضربات عذابها الموجع.

هذه بعض النماذج البسیطة التی تتمیز بها هذه المحکمة العجیبة والتی أسمیناها الضمیر.

فهل یمکن التصدیق بوجود مثل هذه المحکمة و بهذه الأجهزة لدى هذا الإنسان الصغیر بینما تنعدم مثل هذه المحکمة فی هذا العالم الواسع من أجل النظر فی أعمالنا صالحها و طالحها؟

أو لا تلفت نظرنا هذه المحکمة الصغیرة إلى باطن هذا العالم العظیم الذی یضم محکمة عظیمة تسع هذا العالم و بعظمة خالقه الجبار، و التی لا تعرف للعیب و النقص من حدود، و لابدّ أن یحضرها الجمیع یوماً لیرى ما بدر منه من أعمال ربّما یکون نساها إلاّ أنّها محفوظة هناک حیث لایضیع شیء و لاینسى شیء، و عقابها نار أرعب و أوجع من نار الضمیر و ثوابها أکبر و أعمق من ثوابه و لکل حسب سعیه و عمله؟

قطعاً مثل هذه المحکمة کائنة فی ذلک العالم الکبیر و التی یمکننا تسمیتها بضمیر العالم.

و لعل هذا هو السبب الذی قرن محکمة الضمیر بالحدیث عن البعث والقیامة العظیمة التی وردت فی القرآن الکریم: (لَا أُقْسِمُ بِیَوْمِ الْقِیَامَةِ * وَ لَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوّامَةِ * اَیَحْسَبُ الِانْسانُ اَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِینَ عَلَى أَنْ نُسَوِّیَ بَنَانَه)(1).

فقد قرنت المحکمتان مع بعضهما فی هذه الآیات القرآنیة.


1. سورة القیامة، الآیة 1 ـ 4

 

عامل مؤثر واقی و عامل محرک قوی القیامة ردود على الألغاز
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma