الأهم من النوم الرؤیا، و هی المشاهد القبیحة و الجمیلة و المحببة والموحشة التی یراها الإنسان فی المنام، و ما زال الإنسان لحدّ الآن یتساءل ما هذه المشاهد و المناظر التی یراها فی المنام و ما مصدر الرؤیا؟ ما العامل الخفی الذی یجسد هذه المشاهد للإنسان فی ساعات النوم؟

هناک عدّة تفاسیر بشأن حقیقة الرؤیا و یمکن تقسیمها إلى قسمین:

1ـ التفسیر المادی

2ـ التفسیر الروحی

یزعم المادیون أنّ للرؤیا عدّة أسباب هی:

الف: یمکن أن تکون الرؤیا نتیجة لأعمال الإنسان الیومیة; یعنی ما فعله الإنسان فی الأیام الماضیة یمثل لدى فکره عند النوم.

ب: یمکن أن تستند الرؤیا إلى بعض الأمنیات التی لم تتحقق، کأن یرى العطشان ماءاً، و ذلک الذی ینتظر السفر أنّه قدم من السفر (و من هنا قیل قدیماً أنّه یحلم...).

ج: یمکن للخوف من الشیء أن یدعو الإنسان لرؤیته، فقد تکرر بالتجربة أن من یبقى وحیداً فی البیت و یخشى اللص یراه فی المنام.

و لفروید و أنصاره و أتباع مدرسته تفسیر و تعبیر مادی آخر للرؤیا; فبعد مقدمات طویلة عریضة یصرحون بأنّ الرؤیا هی عبارة عن إشباع الرغبات المکبوتة.(1)

و توضیح ذلک: أنّ للنفس بعدان: «الشعور» و ما هو یرتبط بالفکر الیومی و المعلومات الإرادیة و الإختیاریة للإنسان و «اللاشعور» و ما یختفى فی الضمیر الباطنی للإنسان بصورة رغبة لم تشبع، فهم یقولون عادة ما تکون لنا رغبات لم نستطع إشباعها فبقیت هذه الرغبات مکبوتة فإن؟ نمنا برزت إلى السطح و قد لا تحتاج أحیاناً إلى تعبیر (کالعاشق الذی یرى حبیبته المفقودة فی المنام) و أحیاناً تتغیر إلى أخرى و بهذه الحالة تحتاج إلى تعبیر، و بناءاً على هذا فالرؤیا إنّما ترتبط دائماً بالماضی و لیس لها من صلة بالمستقبل لتخبر عنه، و هی وسیلة ممتازة للإطلاع على اللاشعور، و من هنا یعتمد علیها فی عالج الأمراض الروحیة التی تستند إلى کشف اللاشعور عن طریق تنویم المریض، ویعتقد بعض علماء الأغذیة أنّ هناک علاقة بین الرؤیا و الحاجة البدنیة للغذاء، فیرون مثلا أنّ الإنسان إذا رأى فی المنام أنّ الدم یخرج من أسنانه فمعنى ذلک قلّة فیتامین «*» فی بدنه و إن رأى مشیب شعر رأسه فهو یعانی من نقص فیتامین «*».

و أمّا فلاسفة الروح فلهم تفسیر آخر للرؤیا و النوم حیث یرون النوم و الرؤیا على أقسام:

1ـ النوم الرؤیا المتعلقة بماضی الإنسان و رغباته و آماله و التی تشکل القسم المهم من رؤى الإنسان.

2ـ النوم المضطرب و المبهم المعلول لفعالیة الوهم و الخیال (و إن أمکن أن یکون له دوافع روحیة).

3ـ النوم والرؤیا ذات الصلة بالمستقبل و المدّلة علیه.

لاشک أنّ الرؤیا و الأحلام المرتبطة بالماضی و تجسم المشاهد التی رآها الإنسان طیلة حیاته ممّا لا تحتاج إلى تعبیر خاص، و کذلک الرؤیا المضطربة و التی یصطلح علیها بأضغاث الأحلام التی تفرزها الأفکار القلقة و على غرار الأفکار التی تسیطر على الإنسان حین إرتفاع الحمى و الهذیان هی الأخرى لیس لها من تعبیر خاص بالنسبة لمسائل الحیاة المستقبلة، و إن إعتبرها علماء النفس نافذة للتعرف على اللاشعور و الاستفادة منها کعلاج لبعض الأمراض النفسیة، و علیه فتعبیر الرؤیا یهدف إلى کشف أسرار النفس و التعرف على علل الأمراض، لامن أجل الحوادث المستقبلة.

و أمّا الأحلام المتعلقة بالمستقبل فهی على قسمین; قسم صریح و واضح لایحتاج إلى تعبیر بأی حال من الأحوال و قد یتحقق أحیاناً و یاللعجب فی المستقبل القریب أو البعید دون أدنى إختلاف، و قسم آخر یتحدث عن حوادث المستقبل لکنّه یحتاج إلى تعبیر حیث یطرأ علیه التغییر بسبب بعض العوامل الذهنیة و الروحیة الخاصة.

و لکل قسم نماذج کثیرة لایمکن إنکارها جمیعاً، و بالطبع لم یقتصر ذکر هذه النماذج على المصادر الدینیة و الکتب التأریخیة، بل حدثت کراراً فی حیاتنا الخاصة أو حیاة الأفراد من معارفنا بحیث لا یمکن نسبتها جمیعاً إلى الصدفة.

و نورد هنا بعض النماذج التی تزیح الستار بصورة عجیبة عن المستقبل وقد سمعناها من أفراد لا نشک أبداً فی وثوقهم:

1- نقل أحد العلماء و الثقاة المعروفین فی همدان المرحوم المیرزا عبد النبی و الذی کان من کبار أعلام طهران قائلا:

حین کنت فی سامراء کان یبعث إلىَّ کل سنة بمبلغ مئة تومان من «المازندران»، فکنت أستدین بعض المبالغ لقضاء الحاجة على أساس المبلغ المذکور، فاذا وصل ذلک المبلغ سارعت إلى تسدید الدیون، ذات سنة أخبرت بأنّ وضع المحاصیل هذه السنة سیىء للغایة و علیه فسوف لن یبعث لی بذلک المبلغ، فشعرت بالإنزعاج والإمتعاظ حتى نمت کذلک، فرأیت رسول الله (صلى الله علیه وآله)فی المنام فنادانی قائلا: فلان قم و افتح باب تلک الخزانة (و أشار إلى خزانة کانت فی البیت) فإنّ فیها مئة تومان.

نهضت من النوم، و لم تمض مدّة حتى دق الباب، کان الرجل مبعوث المرحوم المیرزا الشیرازی المرجع الشیعی الکبیر فقال: المیرزا یریدک، فتعجبت ما الذی جعل ذلک الرجل العظیم یطلبنی الآن، فذهبت إلیه و کان جالساً فی غرفته، و کنت قد نسیت الرؤیا، فقال لی المرحوم الشیرازی: المیرزا عبد النبی إفتح تلک الخزانة فإنّ فیها مئة توماً فخذها!

فتذکرت فوراً الرؤیا و أنا مذهول ممّا أشاهد، أردت أن أقول شیئاً، شعرت بعدم رغبته فی سماع شیء بهذا الشأن، فتناولت المبلغ و خرجت.

2ـ نقل صدیق ثقة أنّه کان لکاتب «ریحانة الأدب» المرحوم التبریزی ولد ویبدو أن یده الیمنى کانت مصابة بالروماتیز (التهاب المفاصل) بحیث کان یشق علیه الإمساک بالقلم فتقرر أن یذهب إلى ألمانیا لیتلقى العلاج.

قال: کنت فی السفینة، و لما نمت رأیت فی المنام أنّ أمی قد توفت، ففتحت دفتر المذکرات و کتبت فیه الیوم و الساعة لتلک الحادثة، و بعد مدّتی عدت إلى إیران لأرى طائفة من أقربائی الذی أتوا لإستقبالی و قد إرتدوا الملابس السوداء، فتعجبت و کنت قد نسیت تلک الرؤیا تماماً، أخبرونی بالتالی أنّ أمی قد فارقت الحیاة، و هنا تذکرت الرؤیا، و لما فتحت الدفتر و سألت عن یوم الوفاة کان کما دونت فی الدفتر.

3ـ نقل أحد الثقاة أنّه إشترى قرب قزوین أرضاً بائرة واسعة بثمن غال جدّاً بحیث لامه جمیع الأصدقاء على أنّه إرتکب خطأ فاحشاً، فلیس هنالک من أمل فی تهیئة الماء لتلک الأرض، و قد بذل مساعیه و استشار هذا و ذاک من المهندسین من أجل حفر بئر و الحصول على الماء، إلاّ أنّه لم یحصل على نتیجة. فأثّر علیه ذلک تأثیراً کبیراً، لکنه کان نشطاً مکافحاً و لا یکف عن السعی، إلاّ أنّه یأس بعد کل ذلک حتى نام لیلة فرأى فی المنام أنّه یتجول فی تلک الأرض من أجل العثور على الماء، و فجأة بلغ نقطة کان ینبع منها الماء، فلما نهض من نومه و أصبح الصباح إنطلق إلى تلک النقطة التی رآها فی المنام، فأمر بحفرها، ولم تمر مدّة على الحفر حتى نبع منها الماء الوفیر.

4ـ کتب الکاتب الإسلامی المعروف سید قطب صاحب تفسیر فی ظلال القرآن فی تفسیره للآیات المرتبطة بسورة یوسف أنّه لو إستطاع إنکار کل ما قیل فی الأحلام لما وسعه أن ینکر ماحدث له حین کان فی أمریکا، فقد رأى فی المنام أنّ نزیفاً دمویاً قد أصاب عینی بنت أخته (و قد کانت حینها فی مصر) بحیث لم تعد ترى الأشیاء، فاستیقظ من النوم مذعوراً و کتب رسالة إلى أهله فی مصر و قد سأل بالذات عن وضع عینی بنت أخته، فلم تمض مدّة حتى أتاه الجواب أنّها أصیبت بنزف داخلی ولا تقدر على الرؤیة و هی الآن تتلقى العلاج.

ثم یستطرد قائلا: جدیر بالذکر أنّ النزف الداخلی کان لا یمکن مشاهدته بالعین المجرّدة، و لایتسنى ذلک إلاّ من خلال الوسائل الطبیة.

على کل حال فقد حرمت من البصر، و قد شاهدت حتى هذا النزف الداخلی فی المنام بشکل واضح.

و الحق أنّ الأحلام التی أشارت إلى الحقائق المرتبطة بالمستقبل والحقائق الخفیة المتعلقة بالحاضر و التی أزالت الستار عن بعض الحوادث لأعظم و أکبر من أن یفکر البعض بإنکارها، أو حتى حملها على الصدفة ولکل أن یقف على ذلک من خلال التعرف على بعض النماذج التی تعرض لها ممن حوله من الأصدقاء.

إنّ مثل هذه الأحلام لا یمکن تفسیرها على أساس النظریة المادیة، ولا یمکن تفسیرها إلاّ على ضوء ما أورده فلاسفة الروح و من یعتقد بإستقلالها، وبناءاً على ذلک یمکن الاستفادة من مجموع هذه الأمور بصفتها شاهداً على إستقلال الروح.

1. أصول علم النفس لفروید، ص 136.