لو کان الموت نهایة لکان خلق الإنسان عبث

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
المعاد و عالم مابعد الموت
إنعکاس هذا المنطق فی القرآن بقاء الروح علامة على القیامة

لایمکن فصل الإیمان بمبدأ للعلم و الحکمة فی عالم الوجود عن الإیمان بحیاة ما بعد الموت، لنفرض أن فخّاراً یصنع آنیة، فما إن ینتهی منها حتى یضربها بالأرض و یکسرها، فهل من شک فی حماقته؟

و هل نعتبره عاقلا مهما أضفى علیها من الجمالیة و جعلها تحفة فنیة واقعیة إن کسرها عبثاً؟

بل إفرض أنّ مهندساً ثریاً و ماهراً و له ذوق سلیم یقوم ببناء عمارة ضخمة وجمیلة بأفضل مواد البناء و وفق أدق الخرائط و بتکالیف کثیرة بحیث تثیر تلک العمارة إعجاب کل من ینظر إلیها، أو أن یقوم ببناء سد عظیم، و ما أن ینتهی من بناء تلک العمارة الضخمة أو هذا السد العظیم حتى ینظم مراسم ویدعو جمیع الشخصیات لإفتتاحه، و فی الغد نطالع فی الصحف أنّ المهندس المذکور قام بتفجیر العمارة و السد بالدینامیت، ثم تحدث للصحفیین قائلا أنّ هدفه من تلک العمارة هو الاستراحة فیها لیوم واحد، أو العوم بسفینة لبضع ساعات فی بحیرة السد!

فکم طفولی هذا الکلام و بعید عن العقل؟ لایبدو هذا العمل متوقعاً من شخص أمی فضلا عن فرد حکیم وعالم.

لو نظرنا إلى منظمات ومؤسسات هذا العالم الواسع و فکرنا بالدقة و العظمة التی استخدمت فی هذا العالم بصورة عامة و فی الإنسان من الناحیة الجسمیة و الروحیة بصورة خاصّة، لعرفنا أنّ «الموت» لایمکنه أن یکون نهایة الحیاة البشریة و نقطة توقف وجودها، لأنّ حیاة الإنسان فی هذه الحالة و العالم المحیط به سوف یکون عبثاً و غیر منطقی، و هو بالضبط کفعل ذلک الفخّار و المهندس.

توضیح ذلک:

تفید مطالعة عالم الخلق على مستوى عظمته و کذلک دقته حقیقة مؤدّاها أنّ هذا العالم أوسع و أجمل و أعقد ممّا نتصوره.

فقد صرح «أنشتاین» فی کتابه «الفلسفة النسبیة»: إنّ ما قرأناه من کتاب التکوین الکبیر لم یکن أکثر من صفحة (أو صفحات) و قد تعرفنا على ألف باء هذا الکتاب العظیم فی ظل تطور العلوم البشریة.

و لابدّ من الاضافة إلى هذا الکلام: إنّه کتاب غطاؤه الخارجی «الأزلیة» وغطاؤه الداخلی «الأبدیة» و قد إجتاحت أوراقه السماء و الأرض، بینما تشکل المنظومات و الکواکب و الکرات العظیمة و المجرّات کلماته و حروفه، و یاله من عمر طویل یتطلب لمن أراد قراءته إن أمکن ذلک. کما صرّح البروفسور «کارل جیلزین» فی کتاب «رحلة إلى العوالم البعیدة» قائلا: إنّ المسافة الشاسعة بین المجموعة الضخمة للکواکب أو المجرّات لهذه الجزر الفلکیة التی تعوم فی الفضاء و تدور حول محورها، ممّا یصعب حتى التفکیر فیها، فکل واحدة من هذه المجرّات تضم ملیاردات الکواکب، و إنّ مسافاتها على قدر من السعة بحیث إنّ الضوء (و بتلک السرعة الرهیبة و الفریدة) یحتاج أحیاناً مئات آلاف السنین من الوقت لیطوی المسافة بین کوکبین یقعان ضمن مجرّة واحدة.(1)

و بالطبع فإنّ الدقة المستعملة فی بنیة أصغر وحدة فی هذا العالم کالدقّة المحیرة و المذهلة التی تشاهد فی بنیة أعظم وحدة ضخمة من وحداته، و الإنسان ـ فی هذه الأثناء ـ هو أکمل موجود على الأقل عرفناه لحد الآن، و هو أعظم محصول لهذا العالم ـ حسب علمنا طبعاً ـ بما یمتلکه من بنیة عجیبة.

من جانب آخر:

نشاهد أنّ هذا الإنسان الذی یعد أعظم نتاج لهذا العالم، یتحمل أیة مشاکل و صعاب خلال هذه المدّة القصیرة من عمره التی تعتبر لحظة عابرة متبخرة إزاء عمر الکواکب و المجرّات، فمرحلة طفولته التی تعدّ أصعب و أعقد مراحل حیاته حیث تتضمن برامج غایة فی الثقل الذی یرهق کاهله، فقد وضع قدمه فی محیط جدید لا یألف فیه أی شیء، إنّه لا یعرف حتى کیف یحفظ لعابه و علیه أن یتوفر على تجارب کثیرة و إختبارات و إمتحانات متعددة و تمارین تأخذ أغلب أوقاته لیتعلم کیف یسیطر على عضلات شفتیه و أطراف فمه.

إنّه لایعرف الجهة التی ینبعث منها الصوت، کما لایعلم الفاصلة بین عینیه والأشیاء و لعله یعتقد بادىء الأمر بأنّ جمیع الأشیاء على صفحة واحدة و قریبة من عینه، و لیس له أدنى إطلاع عن حرکة أمواج الهواء على الأوتار الصوتیة وایجاد أنواع الأصوات و من ثم تکسر و تشکل الأصوات بواسطة حرکات اللسان وعضلات الفم و الحنجرة، و علیه أن یتمرن صباح مساء فی مهده و یدرس ویطالع و یتدرب لیتعرف على محیطه و یستفید من وسائله و أدواته، أضف إلى ذلک علیه أن یکافح أنواع الأمراض لیتمکن من تحمل الظروف التی تواجهه فی ذلک المحیط، و على کل حال فإنّ أهمیّة التمارین التی یزاولها من أجل التعرف على المحیط لتفوق التمارین المنهکة التی یمارسها رواد الفضاء من أجل التکیف على سطح القمر، وهکذا یقضی فترة الطفولة بکل معاناتها.

و لایکاد یلتقط أنفاسه حتى یواجه المرحلة الصاخبة للشباب بعواصفها الشدیدة الطاغیة التی تعصره فی معترک أمواجها، و هکذا یتنقل من مرحلة إلى أخرى، حتى لا یکد یقف على رجلیه فتنقضی فترة الشباب لیرى نفسه فی حالة الکهولة و الشیخوخة و من ثم العجز، و هنا یشعر تدریجیاً بأنّه أخذ یفهم بعض أخطائه الماضیة ـ و التی لابدّ من بعضها بغیة بلوغ حالة النضبح ـ فهو قلق و مضطرب و منهمک فی کیفیة تدارکها، فیفکر مع نفسه بأنّه حصل الآن على تجربة تؤهله لحیاة جدیدة بنضبح أکبر، ولکن للأسف أنى له ذلک وقد ضعفت القوى و الموت کامن له فی الطریق الذی سیحیل نضجه و تجاربه و علومه ومعارفه تراباً، و بغض النظر عن ذلک فإنّ هذه المراحل الثلاثة من عمره کانت مسرحاً لمختلف الحوادث المأساویة الطبیعیة و الاجتماعیة وفقدان الأحبّة والأعزة و الأصدقاء و تحمل الهم و الغم و المرارة.

و الآن نحتکم و نتساءل:

أمن المعقول أن یکون هدف هذا الجهاز الجبار العظیم للخلق خاصّة الهدف من خلق هذه الدنیا الصغیرة العجیبة التی تدعى «الإنسان» إنّما یتمثل بهذه الحیاة و هذا الذهاب و الإیاب الممزوج بآلاف الکدورات والإزعاجات، و بعد ذلک یغلق ملف کل هذا العلم و التجارب و الإستعداد الروحی الذی یبدو أنّه کان مقدمة من أجل حیاة أخرى، و من ثم تبدل تلک الخلایا الدماغیة العجیبة التی تضم أکبر ملفات الدنیا بالموت إلى ذرات بسیطة من تراب عالم الطبیعة؟

ألیس هذا شبیه عمل ذلک المهندس الذی نسف عمارته؟

ألیس هذا شبیه بعمل ذلک الفخّار الذی حطم آنیته؟

هل ینسجم هذا و حکمة البالغة سبحانه؟

إنّ الفلاح یغرس الأشجار لیقطف ثمارها، فما الذی یقطفه فلاح عالم الوجود منه؟... بضعة أیام منغصة!

لو إفترضنا أننا کنّا مکانه و بهذا العقل الذی لدینا أفکنا نفعل مثل ذلک العمل؟ فما بالک به و هو العقل و العلم و الحکمة المطلقة.

کیف یمکن التصدیق بأنّ کل هذا الضجیج من أجل هدف یساوی تقریباً اللاشیء!

ألیس ذلک بمثابة الطفل الصناعی الذی یربونه فی الرحم فإن نما وتأهب للحیاة قتلوه؟

و نخلص ممّا سبق إلى أنّ الشخص الذی یؤمن بالله و حکمته لا یسعه إنکار نهایة حیاة الإنسان بموته.

و قد أشار القرآن فی عدّة مواضع إلى هذا الإستدلال حیث أورده على سبیل الاستفهام الإنکاری:(اَفَحَسِبْتُمْ اَنَّمَا خَلَقْناکُمْ عَبَثاً وَ اَنَّکُمْ اِلَیْنَا لَاتُرجَعُونَ)(2).

فقد شبّهت الآیة عدم الرجوع إلى الله (یعنی البعث و القیامة و استمرار الحیاة و الحرکة نحو النقطة اللامتناهیة للوجود) بالبعث، أی أنّ الخلیقة ستنتهی إلى العبثیة لو لم یکن هناک من معاد و حیاة بعد الموت.

(اَیَحْسَبُ الإِنْسَانُ اَنْ یُتْرَکَ سُدًى * اَلْمْ یَکُ نُطْفَةً مِنْ مَنِّىَ یُمْنى * ثُمَّ کَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزُّوْجَیْنِ الذَّکَرَ وَ الاُنْثى * اَلَیْسَ ذَلِکَ بِقَادِر عَلَى اَنْ یُحْیِىَ الْمَوُتى)(3).

فلو کان کل شیء ینتهی بالموت لکان الخلق عبثاً مهملا (حیث وردت سدى فی اللغة بمعنى المهل)، و من هنا قال بعض المفسرین أنّ المراد بالإنسان فی الآیة المذکورة (اَلْکَافِرُ بِالْبَعْثِ الْجَاحِدُ لِنَعِمِ اللهِ)(4).

حقاً لایستحق سوى الملامة من یشاهد هذا العالم و عظمته بینما لا یرى العالم الآخر.


1. رحلة إلى العوالم البعیدة، ص 8.
2. سورة المؤمنون، الآیة 115.
3. سورة القیامة، الآیة 36 ـ 40.
4. تفسیر مجمع البیان، ج 10 سورة القیامة.

 

إنعکاس هذا المنطق فی القرآن بقاء الروح علامة على القیامة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma