قد یرى البعض أنّ هناک إشکالا مهماً یمکن طرحه بهذا الخصوص و هو: هناک بون شاسع بین حیاة الإنسان بعد الموت و تجدید الحیاة بالنسبة للأرض المیتة فی فصل الربیع، لأنّنا نعلم أن لیس هنالک من موت حقیقی بالنسبة لمثال الأرض و النبات، کل ما هنالک، هو إندثار لجذوة الحیاة، فالأشجار لن تموت قط فی فصل الشتاء، بل هناک سبات، بینما بصیص الحیاة موجود فی جوف الجذر و الغصن و الساق، و من هنا فهی تفرق عن الشجرة الجافة والیابسة، أضف إلى ذلک هناک موت ظاهری للأرض لا واقعی حیث هنالک البذور الحیّة للنباتات التی تتخللها فإذا توفر المحیط اللازم أخذت بالنمو و الظهور، فلو خلت تلک الأرض من البذور لما دبّت فیها الحیاة و لو هطل علیها المطر لآلاف السنین و هذا یختلف تماماً و الموت الحقیقی لبدن الإنسان.
و للإجابة على هذا الإشکال لابدّ من الإلتفات إلى أمرین:
1ـ لابدّ من التوقف عند بذرة النبات أو نواة الشجرة بفضلها خلیة حیّة لیس أکثر فکیف تتبدل إلى مئات الأغصان و السیقان و الجذور و الأوراق الحیّة؟ ألم تنبثق من هذه الأتربة الهامدة المیتة و ذرات الأرض و قطرات الماء و اوکسجین الهواء و هیدروجینه و کل هذه المواد أموات عالم الطبیعة، لتشکل نفسها و تصنع کائنات حیّة من تلک الموجودات المیتة؟ أو لم تکن هذه الشجرة و ذلک البرعم و النبات الذی یحرکه هبوب الریاح و ما إلى ذلک، ألم تکن کل هذه الأشیاء لبضعة أیام أو عدّة شهور قبل تلک الذرات المیتة الهامدة فی التراب و قد أصبحت الیوم بهذا الشکل؟
أفنجانب الواقع بأن قلنا الأرض المیتة قد تبدلت إلى أرض حیة؟ جدیر بالذکر هو أنّ القرآن الکریم لایقول الأشجار المیتة تصبح حیّة (لأنّها لم تمت) بل یقول: الأرض المیتة و ذرات التراب تصبح حیّة!
2ـ لو ألقینا نظرة على بدایة إنبثاق الحیاة فی الکرة الأرضیة، لأتضحت المسألة أکثر فأکثر، لأنّ الأرض کانت محرقة فی البدایة و لم یکن فیها أی کائن حی، ثم بدأ عصر السیول و الأمطار، و اتحد عنصر الهیدروجین الخانق بالاوکسجین و أخذت السیول و الامطار تضرب الأرض لملایین السنین حتى بردت و استوت، فلما توفر المحیط اللازم للحیاة، دبّت فیه بدایات الحیاة وظهرت من تلک المواد المیتة للأرض بطریقة تنطوی على الأسرار التی ما زالت خافیة على العلماء، و هکذا إکتسبت تلک الأرض المیتة الحیاة.
