إتضح تماماً من الأبحاث السابقة أنّ القرآن الکریم إنّما أراد «المعاد الجسمانی» فی کل موضع تعرض فیه لمسألة المعاد، و قلّما نجد فی محیط نزول القرآن من أنکر «المعاد الروحانی فقط»، و من هنا فإنّ الرهبة التی أصابت العرب الجاهلیة من طرح القرآن لقضیة المعاد إنّما تعود لبعده الجسمانی.
و الآن لابدّ أن نرى هل للعقل من دلیل یؤید هذا الکلام؟
یقول العقل: إنّ الروح و البدن حقیقتان لا تنفصلان عن بعضهما، بل هما متصلتان تماماً، فهما معاً کلزوم «المادة» لملزومها «الطاقة»، فهما یتکاملان معاً، و علیه فاستمرار بقاء أی منهما (لمدّة طویلة) لیس بممکن، هذا من جانب.
و من جانب آخر فکما أنّ جسم إنسانین لایتشابهان قط من جمیع الجهات، و بشهادة التحقیقات الواسعة التی تمت بشأن الأفراد فإنّه لا یتشابه فردان حتى فی بنانهما، فإنّ روحین لا تتشابهان أبداً، و کما أنّ الجسم ناقص بدون الروح فإنّ الروح تنقص دون الجسم، و إن إنفصلا عن بعضهما فی عالم البرزخ (العالم الفاصل بین الدنیا و الآخرة) فانّه إنفصال مؤقت تکون فعالیة الروح فیه محدودة و لذلک لیس للحیاة البرزخیة سعة الحیاة لعالم القیامة أبداً.
بعبارة أخرى الروح آمر و عامل مؤثر و البدن مأمور و وسیلة العمل، وکما لا یستغنی الآمر عن المأمور و أدوات العمل، فإنّ الروح لاتستغنی عن الجسم فی مواصلتها لفعالیاتها، غایة ما هنالک حیث تستقر الروح فی عالم آخر أرفع وأسمى من هذا العالم فلابدّ أن یکون لها جسم أکمل و أرفع وسیکون الأمر کذلک، على کل حال فإنّ الجسم و الروح مکملان لبعضهما، وعلیه فلا یمکن أن یکون المعاد أحادیاً کأن یکون روحانیاً أو جسمانیاً، وتتضح هذه الحقیقة من خلال تأمل وضع ظهور الجسم و الروح.
لکن تبقى هنا أربعة إشکالات أو کما یصورها البعض أربعة مطبات لابدّ من الخوض فیها بالتفصیل و هی:
1ـ شبهة الآکل و المأکول.
2ـ قلّة التربة على الأرض.
3ـ أی جسم یعود، حیث یتبدل جسم الإنسان طیلة عمره.
4ـ أین ستقع القیامة و المعاد؟ لأنّ سطح الأرض لا یسعه حشر و نشر کافة الناس.
و الآن نسلّط الضوء على کل واحد من هذه الإشکالات.
