الدلیل الآخر الذی یمکنه أن یرشدنا إلى إستقلالیة الروح و عدم کونها مادیة هو: إنّنا نرى فی الظواهر الروحیة خواصاً و کیفیات لیس لها أی شبه بالخواص والکیفیات التی تتصف بها الموجودات المادیة.

و ذلک لأنّه: الموجودات المادیة تتطلب «الزمان» و لها حیثیة تدریجیة هذا أولا و ثانیاً تتآکل بمرور الزمان

ثالثاً: أنّها قابلة للتحلل إلى عدّة أجزاء.

بینما لیس هناک مثل هذه الخواص و الآثار للظواهر الذهنیة، فإنّنا نستطیع أن نرسم فی أذهاننا عالماً کالعالم الفعلی دون الحاجة إلى الزمان والتدریج. وبغض النظر عمّا سبق فإنّ الصور المطبوعة فی أذهاننا منذ فترة الطفولة لا یبلیها الزمان و لا یجعلها تتآکل و تبقى محافظة على شکلها.

یمکن أن یتآکل الدماغ ولکن لایتآکل بتآکله الحیز الذی إرتسم فی أذهاننا قبل عشرین سنة و هو یتمتع بنوع من الثبات الذی یعدّ من خصائص عالم ما وراء المادة.

و لروحنا خلاقیة عجیبة بالنسبة للصور والمشاهد فإنّنا نستطیع فی آن واحد و دون أیة مقدمة أن نرسم فی أذهاننا ما نشاء من صور و کرات سماویة ومجرّات و کائنات أرضیة و بحار و جبال و ما إلى ذلک، و هذا لیس من خصائص المادة، بل هو علامة لوجود یفوق عالم المادة.

أضف إلى ذلک فمما لاشک فیه أن 2 زائد 2 یساوی 4 حیث یمکن تحلیل طرفی هذه المعادلة أی تحلیل العد 4 أو 2، أمّا المساواة فلا یمکننا تحلیل أبداً کأن نقول للمساواة نصفان و کل نصف غیر الآخر فهذا الموضوع لیس بممکن، فالمساواة مفهوم یأبى التحلیل، أمّا موجود أو غیر موجود ولا یمکن تنصیفه، وبناءاً على هذا فمثل هذه المفاهیم الذهنیة لیست قابلة للتحلیل و لذلک لا یمکن أن تکون مادیة، لأنّها لو کانت مادیة لأمکن تحلیلها، و کذلک لا یمکن لروحنا بصفتها مرکزاً لهذه المفاهیم غیر المادیة أن تکون مادیة، و علیه فهی تفوق المادة (علیک بالدقّة).