یتضح من خلال عد اللسان و الید و الرجل و أعضاء البدن و کذلک الأرض فی عداد الشهود، أنّ تلک الشهادة لیست من قبیل الشهادات البشریة التی لا تتجاوز الکلام و لیست لها أیة مطابقة للواقع، فهی شهادة «عملیة» و «أثریة» لا سبیل للکذب إلیها.
توضیح ذلک، أحیاناً نقول تشهد عین فلان أنّه لم ینم البارحة! یشهد شحوب وجهه و لعثمة لسانه أنّه یخشى من شیء!
تشهد نظافته الفائقة لملابسه و داره أنه ینتظر ضیفاً.
فهذه (الشهادة الطبیعیة و العلمیة) تفید أنّها أبلغ و أصدق شهادة ولایسمع أحد إنکارها.
غالبا ما ینکر المتهم شهادة جمیع الشهود، ولکن بمجرّد أن یسمعوه کلامه من على شریط أو یروه الصور حین إرتکابه للجریمة یشعر بإغلاق کافة الطرق بوجهه فلا یملک سوى الإعتراف، و سبب ذلک هو أن شهادة الشریط و الصورة هی شهادة طبیعیة و أثریة لا یسع أی أحد التنکر لها، لا ینبغی الغفلة أنّ روحنا و جسمنا إرشیف عجیب لکافة أعمالنا و تصرفاتنا وأقوالنا طیلة عمرنا، یعنی کما أنّ الغذاء الذی تناولناه منذ بدایة عمرنا لحدّ الآن فی جسمنا ـ قد أثرت وأن آثار کل غذاء موجود فی دمنا و خلایا بدننا و فی عظامنا و شرایینا و أنّ هذه الآثار ستنتقل إلى الخلایا القادمة حین تغییر هذه الخلایا و تبدلها، بحیث لو کان هناک جهاز دقیق یدرس دمنا و خلایا بدننا لأمکنه إطلاعنا على جمیع الأغذیة مع تأریخها التی تناولناها لحدّ الآن، کذلک لکل عمل من أعمالنا إنعکاس فی روحنا و جسمنا:
فللکذب و الخیانة و إنتهاک حق الآخرین و صفع البریء و الشهادة الظالمة، لکل هذه الأمور بصماتها على روحنا و جسمنا و ترسم خطوطاً تسهل قراءتها فی محکمة القیامة التی تمثل على الظهور و البروز، فکل هذا من شهود تلک المحکمة.
بالمناسبة لو کان المجتمع یؤمن بمثل هذه الحقائق فکم سیکون مراقباً لأعماله و تصرفاته؟ و ما أعظم الآثار التربویة التی سیفرزها هذا الإیمان بمثل هذه القیامة.
