لو خلق الإنسان للفناء حقاً لوجب أن یعشق ذلک الفناء و لتلذذ بالموت وإن حلّ به فی وقته و فی السنین المتقدمة، و الحال لا نراه یستسیغ الموت (بمعنى العدم) فی أی وقت، لیس فقط ذلک فحسب، بل یعشق البقاء والوجود بکل کیانه، و یبرز هذا العشق من بین جمیع نشاطاته، ما الجهود التی یبذلها من أجل حفظ اسمه و ذکره و بناء الأهرام و المقابر الدائمیة وتحنیط أجساد الموتى بتلک التکالیف الباهضة و حتى الرغبة بحیاة ولده کامتداد لحیاته و... کل ذلک دلالة واضحة على غریزة حب البقاء لدیه، إلى جانب سعیه لإطالة عمره وتعامله مع إکسیر الشباب و ماء الحیاة التی تشکل أدلة أخرى على ثبوت الحقیقة المذکورة.
فلو خلقنا للفناء فما معنى هذا الحبّ و الرغبة بالبقاء؟
لو کان الأمر کذلک لکان هذا الحب و الرغبة ضرباً من العبث و اللغو، لقد تجلت الحقیقة المذکورة بأروع صورها فی کلام الإمام علی (ع) إذ قال: «مَا خُلِقْتَ أنْتَ وَلاَ هُمْ لِدارِ الْفَنَاءِ بَلْ خُلِقْتُمْ لِدارِ الْبَقاءِ».