کما یشیر التاریخ البشری إلى وجود الأدیان لدى الأقوام السالفة، یشهد أیضا باعتقادهم الراسخ بالحیاة التی تعقب الموت.
و الشاهد على ذلک الآثار التی وصلتنا من الإنسان القدیم لما قبل التاریخ ولاسیّما طریقة بناء القبور و کیفیة دفن الأموات و التی تدل بأجمعها على أنّهم لم یکونوا یعتبرون الموت نهایة الحیاة.
فقد ورد فی کتاب عالم الاجتماع «کنیغ» ص 192 أنّ التحقیقات تفید وجود الأدیان لدى الطوائف الأولى من البشر، کما لاسلاف الإنسان المعاصر (النیاندرتال) حیث کانوا یعتمدون أسالیب خاصّة فی دفن أمواتهم و کانوا یضعون أدوات عملهم إلى جوارهم لیبرزوا عقائدهم للعالم.
و کتب «ویل دورانت» فی المجلد الأول من تأریخه ص 225
لم بنى المصریون لأهرام؟
لاشک لم یکن مرادهم بناء أثر معماری، و قد قاموا بذلک بدافع دینی.
کانت أهرام مصر قبوراً ترقت شیئاً فشیئاً لتخرج من صورتها الابتدائیة وتصبح بهذا الشکل.
ثم تطرق بالتفصیل إلى عقائد المصریین بشأن الحیاة التی تعقب الموت والتی تعدّ الدافع لبناء الأهرام.
و الحق أنّ الأهرام المصریة من أعظم و أعجب البناء الذی قامت به البشریة و هی ثلاثة:
هرم خوفو و خفرع و منکورع، و قد ضم هرم خوفو بمفرده ملیونین ونصف قطعة حجریة تزن کل واحدة منها طنین و نصف، و یصل وزن البعض منها إلى 150 طن.
و قد إحتلت مساحة من الأرض تبلغ 46 ألف متر مربع! و قد جاءوا بهذه الأحجار من مسافات تبلغ مئات الفراسخ و قد إشتغل مئة ألف عامل خلال عشرین سنة من أجل بناء هذه الأهرام، حتى قیل إنّ تکالیف الخضرة وبعض الأدویة للعمال بلغت 16 ملیون دولار خلال تلک المدّة.(1)
ویتضح من کل هذا مدى رسوخ عقیدة المصریین القدماء بالمعاد (طبعاً العقیدة الممزوجة بالخرافات)، فلا یمکن تجاهل هذه العقیدة و اعتبارها مجرّد عادة أو قضیة تلقینیة، بل تدل مثل هذه العقائد المترسخة بین عموم الناس على فطریتها و إستنادها إلى أعماق روح الإنسان، لأنّ الفطرة والغریزة التی یمکنها الصمود إزاء العواصف الشدیدة لمرور الزمان والتطورات الاجتماعیة والفکریة، فتبقى ثابتة مستقرة.
1. ویل دورانت، تأریخ الحضارة، ج 1، ص 211، 224، 225.
