جذور المعاد فی أعماق الفطرة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
المعاد و عالم مابعد الموت
العنصر الآخر لخشیة الموت المشی فی المتاهات

تنادینا إلهامات الفطرة: الموت لیس نهایة الحیاة، و بالطبع لاتقتصر هذه الإلهامات علینا، بل تفید کافة الشواهد الموجودة أنّه کان یؤمن بها کافة الأقوام بما فیها الإنسان البدائی الذی عاش فی عصور ما قبل التأریخ.

یقال: هناک ذبذبات مجهولة ـ تشبه الأمواج الرادیویة ـ تبث دائماً من أعماق السموات وجوف المجرّات التی لها بالغ الأثر على الأجهزة المستقبلة.

لا أحد یعلم من أین تنطلق هذه الأمواج و ما مصدرها الرئیسی؟ هل هناک حضارات فی ما وراء منظومتنا الشمسیة أکثر تطوراً من حضارة أهل الأرض بحیث یرسل سکنتها برسائلهم إلى العالم بواسطة هذه الأمواج؟ أم هناک مصدر آخر؟ لا نعلم.

والأعجب من ذلک إننا نستقبل بانتظام من أعماقنا و باطن أرواحنا رسائل مجهولة و لا نعرف مصادرها، فنرانا مضطرین للاصطلاح علیها بالفطرة، و کل ما نعلمه إنّنا نحصل على إلهامات مختلفة ترشدنا إلى الخطوط الأصلیة حین نقف على مفترق طرق.

مثلا: تقع حادثة مفاجئة قریب منّا أو فی أبعد نقطة من العالم، فتدفع

بنا هذه القوة الباطنیة الخفیة باتجاه الحصول على أخبار تلک الحادثة، ثم نرانا نجهد أنفسنا فی هذا المجال دون أن نعلم الدافع و السبب الذی یقف وراء کل هذا الشوق و اللهفة لرؤیة تلک الحادثة و الوقوف على تفاصیلها التی قد لایکون لها أدنى إرتباط بأوضاعنا، فلا نستقر و لایهدأ لنا بال مالم نفهم تلک الحادثة.

ترافقنا هذه الحالة منذ اللحضات الأولى للعمر ولا تنفصل عنّا حتى آخر العمر، ثم أطلقوا على ذلک فیما بعد اسم «حس حبّ الإطلاع» و قالوا إنّه جزء من فطرة الإنسان.

و کثیرة هی نظائر هذه الغرائز و الإلهامات الفطریة، إلاّ أنّ أحداً لا یسعه أن یزودنا بایضاحات أکثر بشأن مصدر هذه الإلهامات الفطریة، ولکن على کل حال لیس لدینا أی شک فی أصل وجودها و دورها فی إرشادنا و توجیهنا التکوینی.

و الإیمان بالحیاة بعد الموت واحد من هذه «الإلهامات الفطریة»: لدینا عدّة شواهد تاریخیة تفید عمق إیمان البشریة على مدى التأریخ، بل فی العصور التی ما قبل التأریخ بالحیاة الآخرة بعد الموت، و الدلیل على ذلک الآثار المختلفة التی خلفها قدماء الناس و کیفیة بناء قبورهم و الأشیاء التی کانوا یدفنونها فی التراب مع موتاهم ـ کما سیأتی شرح ذلک بالتفصیل ـ والتی تفید إیمان الإنسان بحیاة ما بعد الموت على ضوء إلهاماته الباطنیة، حیث لایمکن التصدیق بأنّ مسألة لیست بفطریة و قد تمکنت من الحفاظ على قوتها ورسوخها إلى هذه الدرجة طیلة التأریخ و لما قبله إلى أبعد العصور والأزمنة حتى بقیت عالقة فی الأذهان، فمثل هذه المسائل

المتجذرة التی لاتنفصل عن البشر قط، قطعاً لها نواة غریزیة و فطریة، و من هناک کانت دائمیة خالدة.

و قد صرّح عالم الاجتماع المعروف «صاموئیل کونیغ» قائلا: تفید الآثار التی عثر علیها العلماء فی الحفریات أنّ أسلاف الإنسان المعاصر أی إنسان النیاندرتال کانت لهم دیانة بدلیل أنّهم کانوا یدفنون أمواتهم بطریقة خاصة، کما کانوا یدفنون إلى جانبهم وسائلهم و أدواتهم، و هکذا یعلنون إیمانهم بوجود عالم آخر بعد الموت.(1)

نعلم أنّ إنسان النیاندرتال عاش قبل عشرات آلاف السنین، حین لم یخترع الخط حتى ذلک الوقت ولم یبدأ التاریخ البشری، صحیح أن لا جدوى من هذه الوسائل و الأدوات فی حیاة ما بعد الموت مهما کانت، إلاّ أنّ المراد هو أنّ هذه الأعمال تشکل شهادة على إیمان أسلاف الإنسان المعاصر بحیاة ما بعد الموت.

و یبدو أنّ المصریین کانوا قد سبقوا سائر الأقوام فی هذا المجال، إذ یقول المؤرخ المعروف «آلبرماله» من بین تواریخ الأقوام یمتاز تاریخ الأقوام المصریة بأنّه أقدم الجمیع، حیث یذکر حوادث وقعت لما قبل أکثر من خمسة آلاف سنة.(2)

فالتاریخ المصری العریق یشیر إلى أنّ الأقوام المصریة کانت راسخة الإعتقاد بحیاة ما بعد الموت و یرون لها أهمیّة خاصة، و إن لم تسلم عقائدهم ـ و کسائر الأقوام ـ من الأباطیل و الخرافات.

و یسرد المؤرخ المذکور قضیة رائعة تنطوی على عدّة فوائد، فقد ذکر أنّ المصریین یعتقدون بأنّ روح المیت تفارق القبر و تحضر عند الإله الکبیر «آزیریس»... فان قادوه إلى «أحکم الحاکمین» آزیریس یمتحن قلبه فی میزان الحقیقة، فإن کانت روحه طاهرة فی الحساب ذهب إلى المزرعة (والبستان) الذی لایتصور مدى برکته...

کما کانوا یضعون إلى جوار الموتى کتاباً یرشدهم فی سفرهم إلى تلک الدنیا، و یحتوی الکتاب على عبارات یجب أن یردها المیت عند آزیریس لتبرأ ذمته ویطهر:

لم أغش الناس...

لم أوذی أیة أرملة...

لم أکذب فی المحکمة...

لم أرتکب التزویر.

لم أفرض على عامل أکثر من طاقته فی العمل.

لم أتکاسل فی القیام بوظیفتی.

لم أنتهک المحرمات.

لم أسع بعبد لدى سیده.

لم أقطع خبز أحد.

لم أبک أحداً.

لم أقتل أحداً.

لم أسرق أطعمة الموتى،(3) و لا أشرطتهم.

لم أغصب أرض أحد.

لم آخذ لبن الأطفال الرضع.

لم أقطع أی نهر.

أنا طاهر، طاهر...

أیّها القضاة! الیوم یوم الحساب فخذوا هذا المرحوم فهو لم یذنب و لم یکذب. و هو لایعرف السوء و لم یجانب الحق و الإنصاف فی حیاته و قد أتى بما یرضی الله، لقد کسى العریان و ذبح لله و أطعم الأموات، فمه طاهر و یداه طاهرتان.

على کل حال فالذی یفیده التاریخ هو حالة التدین بصورة عامّة والإعتقاد الراسخ بحیاة ما بعد الموت لدى سائر الحضارات و المدنیات الأخرى والتی تزامنت مع الحضارة المصریة أو بعدها من قبیل الحضارة الکلدانیة و الآشوریة والیونانیة و الإیرانیة.

والأهمیّة التی حظى بها هذا الموضوع فی الأدیان العالمیة الکبرى ممّا لاغبار علیه فلا یحتاج إلى أدنى توضیح، و سنتعرف على نماذج ذلک فی أبحاث القادمة.

هذا وقد نقل العالم الاسلامی المعروف کاتب «روح الدین الإسلامی» عبارة عن مجلة «ریدرزد ایجست» نوفمبر عام 1975 عن «نورمان فن سنت بیل» أنّه قال: الحقیقة هی أنّ النشاط الغریزی بوجود عالم آخر بعد الموت یعدّ من الأدلة المحکمة على هذه المسألة، لأنّ الله إذا أراد إقناع الإنسان بحقیقة غرسها فی أرض غرائزه و فطرته، فالاعتقاد بحیاة خالدة فی العالم الآخر هو نوع من الشعور العام فی باطن وجود کافة الأفراد بحیث لایمکن النظر إلیه بازدراء.

حقّاً أنّ الشیء الذی نسیر إلیه بهذه السرعة إنّما هو ردّ فعل لجذور أساسیة داخل وجودنا، إنّنا لا نؤمن بمثل هذه الحقائق من خلال الأدلة المادیة، بل عن طریق الإلهام و الإدراک الباطنی، فالإلهام یعتبر دائماً العامل الوحید المهم لإدراک الحقائق، وحین یبلغ العلماء حقیقة علمیة تحتاج إلى إثبات، فانّهم یدرکون تلک الحقیقة بوحی من الإلهام على حدّ تعبیر «برجسون».(4) و الإعتقاد بالحیاة بعد الموت من هذه الإلهامات الفطریة.


1. عالم الاجتماع صاموئیل کونیغ، ص 291
2. تأریخ آلبرماله ـ تأریخ أقوام الشرق، ج 1، ص 15
3. کأنّ أهل مصر کانوا یظنون أنّ الموتى بعد أن یعودوا إلى هذا العالم سیحتاجون إلى أثاث البیت و الغذاء، و لذلک کانوا یدفنون معهم الغذاء و الأثاث. و المراد بالاشرطة هی تلک التی کانوا یلفونها على أبدان الموتى للتحنیط
4. روح الدین الإسلامی، ص 116.

 

العنصر الآخر لخشیة الموت المشی فی المتاهات
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma