یتضح ممّا قیل أنّ هناک صبغة أخرى لمسألة صحیفة الأعمال و الحساب فی محکمة القیامة، فوجود المجرمین و الصالحین هو صحیفة عمل، و هکذا أبواب و نوافذ البیت المسکون کل منها صحیفة، و لاشک أنّ الکتاب الذی یعطى یوم القیامة إلى الصالحین بیمینهم و إلى الطالحین بشمالهم و الذی تحدثت الآیات القرآنیة عن تعذر إنکاره هو من قبیل هذه الصحف الأثریة التی یصعب علینا الیوم حتى تصورها، و من هنا تحل لدینا مشکلة أخرى یقول بشأنها القرآن:(وَ اللهُ سَرِیعُ الْحِسَاب)(1).

لأنّ الحساب واضح هناک و هو مجموع آثار الأعمال الحسنة و السیئة فی وجود کل شخص و نتیجتها معلومة واضحة.

و لتقریب هذه الحقیقة للذهن یمکن أن نضرب مثلا بسیطاً فنقول لعل السیارات العادیة قد طوت عدّة طرق کثیرة طیلة عمرها دون أن یستحضرها حتى سائقها فضلا عن حسابها، ولکن إن أدرنا نظرنا إلى العدّاد فاستطعنا تعیین مقدار الطریق الذی إجتازته و هذه أیضا شهادة أثریة، عادة ما یتخلل الحساب العادی بعض الأخطاء و حتى حسابات الأدمغة الألکترونیة، إلاّ أنّ لدینا حساب فی هذا العالم لا یتسلل إلیه الخطأ، مثلا تضیف الأشجار المقلوعة کل سنة إلى نفسها بعض القشور التی تکشف عن عمرها، و کذلک طبقات الثلج، فهذه حسابات لا سبیل للخطأ إلیها، و الحق أنّ حساب یوم القیامة من أرفع أنواع هذه الحسابات.

1. سورة البقرة، الآیة 202.