القیامة تهب الحیاة نکهته

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
المعاد و عالم مابعد الموت
نوافذ على العالم الآخر عامل مؤثر واقی و عامل محرک قوی

لا شک أنّ للإیمان بالقیامة و البعث آثاره فی شکل الحیاة البشریة، و لو لم تکن هناک من حیاة بعد الموت لکانت الحیاة فی هذا العالم جوفاء و تافهة لا قیمة لها.

کان صوت حرکة الماء المنحدر بسرعة على الأحجاز المبعثرة فی جرف النهر و الذی یتخذ أشکالا حلزونیة حول الأشجار کصوت وقع الأقدام المعروفة التی تداعب قلبی و مشاعری فأشعر بالسکینة و الاستقرار، کانت لحظات ثمینة بالنسبة لی سیما أنّها کانت فرص نادرة، و لعلی سمعت کراراً من الکبار ذلک البیت الذی أنشده الشاعر المعروف حافظ الشیرازی حین تقع أعینهم على عیون المیاه الجاریة و الینابیع و الأنهار و الذی یخاطب فیه نفسه: أن إجلس على حافة النهر و انظر تصرم العمر و کأنّه یوحی إلینا بالاکتفاء بهذه البشارة حول نهایة العالم ـ فکانت هذه الکلمات بمثابة نسیم الربیع المعتدل الذی یهب على شغاف قلبی، فرأیتنی أکرر تلک الکلمات مع نفسی، فشعرت و کأنّی طرحت حملا ثقیلا عن روحی و تنفست بکل حریة، رغبت آنذاک بأن یکون لی جناحان فأحلق بهما کالطیور التی کانت تطیر وترفرف بأجنحتها فوق رأسی، ولکن لما کانت الحیاة تقتضی عدم إستقرار الذهن و البال فقد دار فی خلدی هذا الهاجس، رغم أنّ تشبیه إنقضاء العمر بمرور الماء یمثل أروع مثال یمکن بیانه بالنسبة للحرکة العامة و سرعة حرکة عالم الحیاة بل عالم الوجود الذی یأبى التوقف و السکون، إلاّ أنّی فکرت مع نفسی لیت شعری ما هی البشارة التی یحملها تصرم العمر لنکتفی بها کدلالة على إنقضاء العالم.

لنفرض أنّی قطرة من ملایین قطرات ماء هذا النهر و قد نبعت من عین حسب قوانین الخلقة و قد إندفعت خلال هذه الأحجاز و الاشجار، ولکن ما عسانی أبلغ فی نهایة المطاف، قطعاً لایمکننی السیر إلى الأبد... فالتفکیر بالمستقبل المجهول یؤرقنی، فهل سأتیه فی مستنقع متعفن ملیىء بالحیوانات الوضیعة... ما هذه البشارة!

و هل تبخرنا وسط الصحراء القاحلة آخر هذه السهول الواسعة المترامیة الأطراف یعد فخراً!

أم سأعود مرّة أخرى إلى ذلک البحر الواسع الذی نبعت منه فی البدایة دون أی هدف فأعیش حیاة مکررة و جوفاء!

یاله من ألیم تصرم العمر هذا الذی آخره مثل تلک الأمور!

سأغوص فی أعماق الأرض إلى جوار جذور شجرة و على ضوء قانون «إسمز» أعبر قوة الجذب الأرضیة فأتسلق الأغصان بسرعة و أتنقل بین العروق اللطیفة الجمیلة و الزهور العطرة فأصبح فاکهة فانهمک فی صنع نفسی حتى أنضبح فتنقطع حاجتی إلى الغصن ثم أهبط من غصن الشجرة

کرائد الفضاء الذی یقذف بصاروخه إلى کرات العالم، فاقع فی حضن إنسان مفکر و عالم جلس تحت الشجرة و هو مشغول بابداع مؤلف قیّم أدبی وعلمی و أخلاقی و فلسفی.

فأجلب بلطافتی و طراوتی إنتباه ذلک العالم حتى أصبح جزءاً من بدنه فأواصل سعی و جهدی فی دمه و عروقه و أخترق الأغطیة الرقیقة والحساسة لدماغه فاتحول إلى أمواج فکریة مبدعة لخلق لوحة أدبیة وفلسفیة رائعة أو أتحول إلى إکتشاف علمی ممیز، ثم أصبح أثراً خالداً بعد أن یسطر فی قلمه على صفحات کتابه، و هکذا أکتسب صبغة أبدیة فاوضع فی المکتبات فاحظى باستفادة الجمیع.

فلو کان الأمر کذلک لکان هذا التصرم دافعاً لی نحو النشاط و الحیویة، وذلک لأنّ قطرة ماء لا قیمة لها قد إختلطت بوجود أکمل حتى تحولت آخر المطاف إلى أثر خالد.

فأیة بشارة و فخر و إعتزاز أعظم من هذا!

أما إن کان مصیری الفناء فی المستنقعات المتعفنة أو التبخر أو التطایر فی الهواء أو العودة العابثة إلى البحر فیاله من مصیر مؤلم و مفجع.

فهل هناک من فارق بین مصیر أولئک الذین یرون الموت هو نهایة الحیاة ومصیر تلک القطرة من الماء؟

فهل یمکن أن یکون هناک من معنى صحیح لحیاتهم و مماتهم؟

هل الإقرار بأصل المعاد و مواصلة الإنسان لتکامله بعد الموت و دخوله لعالم أسمى و أرفع لایمنح حیاة الإنسان هدفاً و نمایة؟

و یخرجها من عبثیتها؟

و من هنا نلاحظ أنّ عبثیة الحیاة من أهم القضایا التی تزعج إنسان

عصر الفضاء، و أفضل شاهد حی على ذلک الشعور المزعج هو ظهور بعض المدارس ـ إن أمکن تسمیتها کذلک ـ الفلسفیة الحدیثة کالمدرسة المادیة.

و یعترف العلماء و المفکرون الذین یمتکلون رؤیة صحیحة تجاه البلدان الصناعیة التی رأوها أنّ شعوب تلک البلدان قد تغلبوا على مشاکل البطالة والأمراض و الکهولة و العجز و التعلیم من خلال المعامل و المصانع الضخمة والإمکانات الصحیحة الهائلة و الأجهزة الثقافیة إلى جانب الضمان و التقاعد و ما إلى ذلک، فالواقع هو أنّ حیاتهم و حیاة أولادهم مضمونة منذ الولادة حتى اللحظات الأخیرة للموت، مع ذلک فهم یألمون من عبثیة الحیاة ویرون أنفسهم یعیشون الخفة و الطیش.

و لعل سر التنوع الذی ینشده عالم الغرب و مبادراتهم العجیبة هو الهروب من التفکیر بشأن هذا الطیش و العبثیة.

و قد نلمس هذه الحقیقة فی تعبیرها الفلسفی ضمن المدرسة المادیة التی تقول: ینفرد الإنسان من بین سائر الکائنات بإدراکه لمفهوم الوجود والعلم بوجوده، و کما کان الوجود أمراً بدیهیاً للإنسان فإنّ العدم یسود ذهن الإنسان مقروناً بتصوره للوجود، ففی الوقت الذی نشعر فیه بوجودنا أو وجود شیء آخر، کذلک من الواضح لدینا عدمنا أو عدم الشیء الآخر، و على هذا الأساس فالإنسان یشعر بوضوح بعدمه کما یشعر بوجوده، و ما إضطراب الإنسان و قلقه إلاّ نتیجة لهذا الشعور بالوجود و العدم، و على حد تعبیر «سارتر» ـ العالم الوجودی ـ من هنا یتضح عبث الوجود و خوائه: لماذا جئنا للوجود، و ما سبب وجودنا؟ (لیس لدینا من إجابة على ذلک)...

فحین لایرى الإنسان من سبب لوجوده یشعر بغربته فی هذه الدنیا، إنّه یشعر بانفصاله عن سائر الأشیاء و الأفراد، و الخلاصة فإنّ وجوده زائد لایرى

لنفسه من موضع مناسب له.(1)

فلو کان للجنین فی بطن أمّه من علم و ذکاء دون أن یکون له حظ من علم خارج الرحم و فکر فی العیش فی ذلک الوسط لما تردد فی إتباع مدرسة سارتر.

إنّه سیرى تلک الحیاة المحدودة و المزعجة التی تدار بشکل تبعی لا تحمل أی هدف و غایة و عبثیة تماماً، أمّا إن علم أنّه جاء من هناک لیستعد إلى حیاة أخرى أوسع و أشمل، و أنّ هذه المدّة هی فترة تربویة خاصة لایمکن بدونها التمتع بحیاة مستقله، و آنذاک سیرى معنى للحیاة فی فترة کونه جنیناً.

و لو أیقنا بأنّ المنزل الذی ینتظرنا لاینطوی على العدم، بل هو وجود بمستوى أرفع و إستمرار لهذه الحیاة بآفاق أوسع و أنّ کافة الجهود والمساعی ستنتهی بالتالی إلیه، فمن المسلم به أنّ الحیاة ستخرج على هذا الأساس من عبثیتها و طیشها و تتخذ لنفسها مفهوماً جدّیاً واضحاً.

و بناءاً على هذا لابدّ من القول: إنّ الأثر الأول للإیمان بالحیاة الآخرة بعد الموت و القیامة هو منح الهدفیة و الغائیة لهذه الحیاة و إخراجها من العبثیة.


1. کتاب الفلسفة (مسائل فلسفیة، مدارس فلسفیة، مبانی العلوم) للدکتور شریعتمداری، ص363.
 
نوافذ على العالم الآخر عامل مؤثر واقی و عامل محرک قوی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma