یبدو أنّ من یطلق هذا الکلام و یتحدّث عن أزمة التراب اللازم لبناء جمیع أفراد البشر إنّما یطلق سهمه فی ظلام دامس و قد خاب سهمه، فما أحرى من یتفوه بذلک أن یتناول ورقة و قلماً و یحسب الأمر بصورة ریاضیة لیعلم مدى الخطأ الذی یرتکبه فی هذا المجال.
یقال أنّ الماء یشکل 65 ـ 70 بالمئة من جسم الإنسان، و علیه فإنّ المواد المعدنیة و الآلیة لبدن الإنسان تقریباً ثلث وزن بدنه، یعنی الإنسان الذی یزن ستین کیلو غرام تقریباً عشرون کیلواً ـ أو أقل ـ من بدنه تراب ومواد معدنیة وآلیة و الباقی ماء، و الآن نحسب لو کان لدینا متراً مکعباً من التراب فکم عساه یکفی کمواد لبناء بدن الإنسان؟
سنتوصل بسهولة إلى أنّ هذا المقدار من التراب (المتر المکعب) یکفی لأکثر من مئة شخص، و الآن تستطیع التعرف بسهولة على أنّ الکیلو متر المکعب من التراب یعنی قطعة أرض طولها و عرضها و إرتفاعها ألف متر تکفی لمئة ملیارد إنسان ـ یعنی فی الکیلومتر المکعب ملیارد متر مکعب یکفی کل منها لمئة إنسان.
و بعبارة أوضح:
یمکن لهذا المقدار من التراب أن یکفی لخمس و عشرین ضعفاً من سکان الکرة الأرضیة، و هل تصدق أنّ هذا المقدار من التراب یشغل مساحة زهیدة من سطح الکرة الأرضیة؟
و إذا تابعنا القضیة من حیث الزمان، فمتوسط عمر الإنسان لایتجاوز الخمسین عاماً فاذا ضربنا العدد 25 × 50 متوسط عمر کل جیل یکون الناتج 1250 سنة، یعنی یکفی کیلومتر مکعب من التراب لبناء المادة الأصلیة لجمیع البشر على الکرة الأرضیة بمدّة 1250 سنة، و علیه فلو فرضنا أنّ عصر تأریخ الحیاة البشریة على الأرض مثلا کان إثنی عشر ألف و خمسمائة سنة، و نفرض أیضا أنّ أی جزء من بدن إنسان لم یصبح جزءاً من بدن إنسان آخر فإنّ عشرة کیلو مترات مکعبة من التراب تکفی لتشکیل أبدان جمیع الأفراد.
و إن اعتبرنا طول عمر الإنسان فی الکرة الأرضیة ملیونین و خمسمائة ألف عام و الذی یتأتى من کشف آخر جمجمة و لعله لایمکن الذهاب أبعد من ذلک، ففی هذه الحالة یکفی ألفی کیلومتر مکعب من التراب لتشکیل أبدان جمیع الأفراد طیلة 000/500/2 عام، و نعلم أنّ هذا المقدار من التراب لایشغل سوى مساحة صغیرة من الأرض، و النتیجة لو أخذنا بنظر الاعتبار مساحة إیران بعمق ألف متر من التراب فانّها تلبی بناء أبدان ملیاردات ملیارد من أفراد البشر خلال میلونین و خمسمائة ألف سنة، رغم أنّ بلدنا یشغل زاویة صغیرة من سطح الکرة الأرضیة و هذا ما یتضح من أدنى نظرة إلى الخارطة الجغرافیة.
فیتضح ممّا ذکرنا عدم صحة الزعم القائل بعدم کفایة تراب الکرة الأرضیة لتلبیة حاجة أبدان جمیع أفراد البشریة.
