ربّما یقال بعدم إمکان الاجتهاد المطلق، لأنّ الفقیه لو بلغ إلى أی مرتبة من العلم والفقاهة یبقى مع ذلک فی بعض المسائل متردّداً، ولذا قد یتردّد الأعلام فی بعض المسائل، ویقولون فی کتبهم الاستدلالیّة: أنّ المسألة بعدُ محلّ إشکال أو محلّ تأمّل فیعبّرون فی رسائلهم العملیّة بوجوب الاحتیاط.
ویمکن الجواب عنه: بأنّ هذه الاحتیاطات إنّما تدلّ على وجود تعقید فی المسألة فحسب، ولذلک یقتضی الورع الفقهی عدم إعلان فتواه العلمی ما لم یحسّ ضرورة فی إعلانه، وإن شئت قلت: إنّما یحتاط الفقهاء الأعلام فی بعض المسائل لأحد أمرین:
أحدهما: حاجة المسألة إلى تتبّع کثیر لا یسع له الوقت أو لا یحضر منابعها ومدارکها بالفعل.
ثانیهما: ما یکون الدلیل فیه فی أقلّ مراتب الحجّیة فلا یجترىء الفقیه للفتوى لشدّة ورعه، ولأن لا یبعّد المکلّفین مهما إمکن عن الأحکام الواقعیّة، ولکن لو مسّت الحاجة إلى تبیین الحکم کانوا قادرین علیه، لأنّ المسألة إمّا ورد فی نصّ یبلغ مرتبة الحجّیة أم لا، وعلى تقدیر وروده إمّا یوجد معارض أم لا، وعلى تقدیر عدم وروده إمّا یکون هناک اطلاق أو عموم، أو لا یوجد شیء من ذلک ما عدى الاُصول العملیّة التی تکون حاصرة لمواردها حصراً عقلیاً، والوظیفة فی جمیع هذه الفروض معلومة مبیّنة، لا معنى لعجز الفقهاء الأکابر الأعلام عن تشخیصها.
نعم، لمّا کانت الاحتیاطات موجبة لخروج الشریعة عن کونها سهلة سمحة فالجدیر بالعلماء الأعلام أن لا یحوموا حولها إلاّ بشرطین:
أحدهما: أن یکون المورد من الموارد التی لا توجب للمقلّد الکلفة والمشقّة الشدیدة فی مقام العمل، کما أنّه کذلک فی الاحتیاط بالجمع بین القصر والإتمام فی الصّلاة والصیام.
ثانیهما: کون المورد من الموارد التی لا یمکن فیها تحصیل الحدّ الأقل من الحجّة بسهولة، وإلاّ ففی غیر هذین الموردین یجب علیه ترک الاحتیاط وإظهار الفتوى.