وقد عرّف الاستصحاب فی کلمات القوم بتعاریف عدیدة:
ومنها: ما فی زبدة الاُصول للشیخ البهائی(رحمه الله) من أنّه: «إثبات الحکم فی الزمان الثانی تأویلا على ثبوته فی الزمن الأوّل».
وهو تعریف جیّد إلاّ من ناحیة عدم الإشارة فیه إلى رکنی الاستصحاب وهما: الیقین السابق والشکّ اللاحق، ولذا یصدق هذا التعریف فیما إذا حصل لنا الیقین فی الزمن اللاحق أیضاً، مع أنّه خارج عن حقیقة الاستصحاب.
ومنها: ما اختاره الشیخ الأنصاری(رحمه الله) فی رسائله بعنوان أنّه تعریف أسدّ وأخصر، وهو: أنّ الاستصحاب إبقاء ما کان.
ویرد علیه أیضاً: عدم الإشارة فیه إلى رکنی الاستصحاب، مضافاً إلى شموله الإبقاء التکوینی لما کان، بینما متعلّق الإبقاء فی الاستصحاب إنّما هو الحکم الشرعی التعبّدی، اللّهمّ إلاّ أن یقال: إنّ طبیعة البحث قرینة على کونه ناظراً إلى التشریع.
ومنها: ما ذهب إلیه المحقّق الخراسانی(رحمه الله) فی الکفایة، وهو «الحکم ببقاء حکم أو موضوع ذی حکم شکّ فی بقائه».
وهذا ممّا لا بأس به إن اُضیف إلیه قید آخر، وهو عدم کون الحکم بالبقاء مستنداً إلى دلیل خاصّ، حیث إنّه لولاه لکان التعریف شاملا لما إذا کان الإبقاء من جهة قیام دلیل خاصّ علیه.
ومنها: ما اختاره المحقّق النائینی(رحمه الله) وهو أنّ «الاستصحاب عبارة عن عدم إنتقاض یقین سابق المتعلّق بالحکم أو الموضوع من حیث الأثر، والجری العملی بالشکّ فی بقاء متعلّق الیقین»(1).
وهذا التعریف مضافاً إلى کونه تطویلا بلا دلیل لا یناسب مقام التعریف، یرد علیه ما أوردناه على تعریف المحقّق الخراسانی(رحمه الله) من شموله لما إذا کان عدم انتقاض الیقین السابق مستنداً إلى دلیل خاصّ، مضافاً إلى أنّ الصحیح أن یعبّر بعدم النقض لا عدم الانتقاض لأنّ الاستصحاب فعل من أفعال الفقیه.
فالحقّ والصحیح فی تعریف الاستصحاب ما مرّ من تعریف المحقّق الخراسانی(رحمه الله) بإضافة القید المزبور، أی «الحکم ببقاء حکم أو موضوع ذی حکم شکّ فی بقائه من دون قیام دلیل خاصّ علیه».
1. فوائد الاُصول: ج4، ص307، طبع جماعة المدرّسین.
