التنبیه الثانی عشر: استصحاب تأخّر الحادث

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الاُصول(الجزء الثّالث)
التنبیه الحادی عشر: لزوم کون المستصحب حکماً شرعیّاً أو ذا حکم شرعی ولو بقاءًالتنبیه الثالث عشر: استصحاب الکتابی

لا إشکال فی جریان الاستصحاب فیما إذا شکّ فی أصل حدوث الحادث، حکماً کان أو موضوعاً، وأمّا إذا شکّ فی تقدّمه وتأخّره بعد العلم بتحقّق أصله کما إذا علمنا بموت زید ولا نعلم هل هو مات یوم الخمیس أو یوم الجمعة؟ وفرضنا ترتّب أثر شرعی على موته فی یوم الجمعة أو یوم الخمیس بنذر وشبهه فهل یجری استصحاب عدم موته إلى یوم الجمعة، أی عدم تقدّمه على یوم الجمعة، أو عدم تأخّره عن یوم الخمیس، أو لا؟

وقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل: فیما إذا لوحظ تقدّمه وتأخّره بالنسبة إلى أجزاء الزمان کما فی المثال المذکور.

المقام الثانی: فیما إذا لوحظ تقدّمه وتأخّره بالنسبة إلى حادث آخر قد علم بحدوثه أیضاً، کما إذا علم بموت متوارثین على التعاقب ولم یعرف المتقدّم منهما على المتأخّر، أو علم بحصول ملاقاة الید المتنجّسة بالماء وحصول الکرّیة على التعاقب ولم یعلم المتقدّم منهما، أو علم بموت الأب المسلم وإسلام الولد الکافر ولم یعرف المتقدّم منهما أیضاً.

أمّا المقام الأوّل: فلا شکّ فی جریان استصحاب عدم تحقّق الحادث فی الزمان الأوّل وترتیب آثار عدمه فقط، وأمّا آثار تأخّره عن الزمان الأوّل وآثار حدوثه فی الزمان الثانی (یوم الجمعة فی المثال) فلا، لکونه مثبتاً بالنسبة إلى عنوان التأخّر والحدوث، فلابدّ فی التخلّص عنه إمّا دعوى خفاء الواسطة، أو دعوى أنّه من باب المتضایفین، أو دعوى أنّ الحدوث أمر مرکّب من عدم الحادث فی زمان ووجوده فی زمان بعده، والقید الثانی حاصل بالوجدان لأنّ المفروض حصول الموت فی الحال (أی یوم الجمعة فی المثال) والقید الأوّل ثابت بالأصل، فحدوث الموت یوم الجمعة یثبت بضمیمة أصل إلى وجدان.

ولکن الإنصاف أنّ کلا من هذه الدعاوی فی غیر محلّه، أمّا الاُولى فواضحة کالثانیة، وأمّا الثالثة فلأنّ الحدوث أمر بسیط ینتزع من الوجود فی زمان وعدم الوجود فی زمان آخر، نظیر الفوقیة التی تنتزع من کون هذا فی هذا المکان وذاک فی ذاک المکان لا إنّه أمر مرکّب حتّى یمکن إثبات أحد جزئیه بالوجدان والآخر بالأصل.

أمّا المقام الثانی: فالبحث فیه بنفسه یقع فی موضعین:

الموضع الأوّل: ما إذا کان کلّ من الحادثین مجهول التاریخ.

الموضع الثانی: ما إذا کان أحدهما معلوم التاریخ والآخر مجهول التاریخ.

أمّا الموضع الأوّل فله أربعة أقسام:

1 ـ ما إذا کان الأثر الشرعی لتقدّم أحدهما أو لتأخّره أو لتقارنه بنحو مفاد کان التامّة.

2 ـ ما إذا کان الأثر الشرعی للحادث المتّصف بالتقدّم أو التأخّر أو التقارن بنحو مفاد کان الناقصة.

3 ـ ما إذا کان الأثر الشرعی لعدم تقدّم أحدهما على الآخر أو لتأخّره أو لتقارنه بنحو مفاد لیس التامّة.

4 ـ ما إذا کان الأثر الشرعی لعدم الحادث المتّصف بالتقدّم أو التأخّر أو التقارن بنحو مفاد لیس الناقصة، کما إذا قیل: لم یکن الإبن متّصفاً بالإسلام فی زمن موت الأب.

وهیهنا قسم خامس ذکره المحقّق الخراسانی(رحمه الله) فی بعض کلماته، وهو ما إذا کان الأثر للعدم النعتی، أی للحادث المتّصف بالعدم فی زمان حدوث الآخر بنحو مفاد کان الناقصة، ولکن یعلم حاله بالدقّة فی أبحاث الأربعة المزبورة.

أمّا القسم الأوّل: فلا إشکال فی جریان استصحاب العدم (أی عدم التقدّم إذا کان الأثر لتقدّم أحدهما، وهکذا بالنسبة إلى التأخّر والتقارن) بلا معارض، لتمامیة أرکان الاستصحاب فیه، نعم إذا کان الأثر لتقدّم کلّ منهما أو لتقارن کلّ منهما أو لتأخّر کلّ منهما أو کان الأثر لأحد الحادثین بجمیع أنحائه من التقدّم والتأخّر والتقارن کان الاستصحاب معارضاً کما لا یخفى.

أمّا القسم الثانی: فلا یجری فیه الاستصحاب لعدم یقین سابق بقضیّة «کان الإبن کافراً عند موت أبیه المسلم». مثلا کما هو واضح.

وأمّا القسم الثالث فیظهر حکمه من القسم الأوّل، لأنّ الأثر مترتّب على عدم التقدّم والتأخّر والتقارن، کما أنّ العدم النعتی أیضاً یظهر حکمه من القسم الثانی، لکون الأثر فیه أیضاً مترتّباً بنحو مفاد کان الناقصة، فلا یقین سابق فیه فلا یجری الاستصحاب.

إنّما الإشکال والکلام فی القسم الرابع، وهو مفاد لیس الناقصة، والمراد منه أن یکون الأثر مترتّباً مثلا على عدم کون الماء کرّاً فی زمن الملاقاة وعلى عدم کون النجس ملاقیاً للماء حتّى صار کرّاً، فوقع الخلاف فیه بین الشیخ الأعظم والمحقّق الخراسانی(رحمه الله)، فقال الشیخ الأعظم(رحمه الله) بأنّ الاستصحاب جار فیه ولکنّه یتساقط للمعارضة فیما إذا کان الأثر موجوداً فی کلا الطرفین، أمّا إذا کان الأثر مفروضاً فی أحدهما فلا یتساقط، والمحقّق الخراسانی ذهب إلى عدم جریانه رأساً لعدم إندراجه تحت أدلّة الاستصحاب ولو کان الأثر مفروضاً فی طرف واحد دون الآخر، وذلک لعدم إحراز إتّصال زمان شکّه بزمان یقینه.

توضیح ذلک: إنّه لا ریب فی أنّ المستفاد من قول الشارع «لا تنقض الیقین بالشکّ» لزوم إتّصال زمان الیقین بالشکّ، فلو إنفصل أحدهما عن الآخر لم یشمله هذا الاطلاق، وإذ قد عرفت ذلک فلنرجع إلى ما نحن بصدده فنقول: المفروض أنّ الماء لم یکن کرّاً یوم الجمعة ولم یلاق نجساً، ثمّ علمنا بحدوث أحدهما إجمالا فی یوم السبت والآخر فی یوم الأحد وإجتمعا فی نهایة ذاک الیوم، فلو قلنا أنّ الماء لم یکن کرّاً فی زمن الملاقاة إحتمل فی ذلک احتمالین: أحدهما أن یکون زمن الملاقاة فی متن الواقع یوم السبت، والثانی، أن یکون یوم الأحد، فلو کان زمن الملاقاة فی الواقع یوم السبت کان متّصلا بیوم الجمعة فتمّ إتّصال زمان الیقین بالشکّ، وأمّا لو کان زمن الملاقاة فی الواقع یوم الأحد کان منفصلا عن زمن الیقین، لإنفصال یوم الأحد عن یوم الجمعة، وحیث لا نعلم أنّ الواقع أی واحد من الاحتمالین فتکون المسألة من الشبهات المصداقیّة لحدیث «لا تنقض».

وقد إستشکل المحقّق الخراسانی(رحمه الله) على نفسه بأنّه لا شبهة فی إتّصال مجموع الزمانین وفی مثالنا یوم السبت والأحد بذلک الآن الذی هو قبل زمان الیقین بحدوث أحدهما، وأنّ مجموع الزمانین هو زمان الشکّ فی حدوث الکرّیة مثلا فکیف یقال بعدم إحراز اتّصال زمان شکّه بزمان یقینه؟

وأجاب عنه بما حاصله: أنّ هذا صحیح إذا لوحظت الکرّیة بالنسبة إلى أجزاء الزمان فیستصحب عدم الکرّیة من زمان الیقین به وهو یوم الجمعة إلى آخر الأحد بلا مانع عنه، وأمّا إذا لوحظ بالنسبة إلى الملاقاة وکان ظرف وجودها أحد الزمانین (السبت أو الأحد، لا کلیهما) فلا شبهة فی عدم إحراز إتّصال زمانه بزمان الیقین.

أقول: الحقّ مع ذلک کلّه مع الشیخ الأعظم(رحمه الله) کما إعترف به کثیر من المحقّقین الذین جاؤوا بعد المحقّق الخراسانی(رحمه الله)، وذلک لوقوع الخلط فی کلامه بین عدم ترتّب الأثر فی زمان وبین عدم الشکّ فی ذلک الزمان، حیث لا ریب فی المقام فی أنّ کلا من السبت والأحد یوم الشکّ، إلاّ أنّ فی أحدهما وهو یوم السبت لا یترتّب أثر شرعی على عدم الکرّیة فی فرض کون الملاقاة یوم الأحد فی الواقع، بل الأثر یترتّب على عدم الکرّیة حین الملاقاة فقط.

وببیان آخر: أنّ زمان الملاقاة ظرف للمستصحب (عدم وقوع الکرّیة حین الملاقاة) ولیس قیداً له، کما أنّه مقتضى اعتبار وحدة القضیّة المشکوکة والقضیّة المتیقّنة، لأنّه لا ریب فی أنّ الزمان فی القضیة المتیقّنة ظرف لا قید، فلتکن فی المشکوکة أیضاً کذلک.

وبعبارة اُخرى: کما أنّا نقول: لم یکن الماء کرّاً قطعاً یوم الجمعة (ویوم الجمعة ظرف له) کذلک نقول: وقع الشکّ فی أنّه هل صار کرّاً یوم السبت ویوم الأحد أو لا؟ غایة الأمر أنّ یوم الأحد فی مفروض الکلام یوم الملاقاة فهو أیضاً ظرف فاتّحدت القضیتان واتّصلتا.

وأجاب المحقّق النائینی(رحمه الله) عن إشکال المحقّق الخراسانی(رحمه الله) بوجه آخر وحاصله: أنّ الشکّ والیقین من الصفات النفسانیّة الوجدانیّة، لا یتطرّق إلیها الشکّ، فإنّه لا معنى للشکّ فی أنّ له یقین أم لا، أو فی أنّ له شکّ أم لا، ونحن نجد بوجداننا أنّه لا انفصال بین الشکّ والیقین فی المقام لأنّ انفصال الشکّ عن الیقین لا یمکن إلاّ بتخلّل یقین یضادّه، وهو مفقود فی المقام(1)(انتهى ملخّصاً).

ولکن یرد علیه: أنّ الظاهر أنّ مراد المحقّق الخراسانی من الشکّ والیقین إنّما هو المشکوک والمتیقّن الخارجیین، ولا شبهة فی تخلّل یوم السبت مثلا بین الجمعة والأحد فی المثال المذکور، ومن الواضح أنّه یمکن تصوّر الشبهة المصداقیّة فی الاُمور الخارجیّة.

بقی هنا شیء:

وهو ذکر المثال لما إذا انفصل زمان الشکّ عن زمان الیقین وکان المورد من قبیل الشبهة المصداقیّة للمخصّص، فنذکر هنا مثالین:

أحدهما: ما جاء فی کلمات المحقّق النراقی(رحمه الله) وأشار إلیه المحقّق النائینی(رحمه الله)فی بعض کلماته فی المقام، وهو ما إذا علمنا بعدم وجوب الجلوس قبل الظهر، ثمّ علمنا بوجوبه بعد الظهر، ثمّ شککنا فی وجوبه عند غروب الشمس، فلا یمکن إجراء استصحاب عدم وجوب الجلوس الثابت قبل الظهر، لانفصال زمان الشکّ فی الوجوب عن زومان الیقین بعدمه، بتخلّل زمان الیقین بالوجوب، وقد ذکر هذا المثال المحقّق النراقی(رحمه الله)فی کلامه عند الاستدلال لعدم جواز إجراء الاستصحاب فی الشبهات الحکمیّة.

ثانیهما: ما قد یکون فی أطراف العلم الإجمالی بعد العلم التفصیلی، کما إذا کانت فی البین ذبیحة ومیتة، ثمّ اختلطا وإشتبه الأمر علینا فلا نعلم أیّتهما ذبیحة وأیّتهما میتة؟ فلا یمکن إجراء استصحاب عدم التذکیة فی کلّ واحد منهما، لا لوجود العلم الإجمالی بأنّ أحدهما مذکّى، لأنّ العلم الإجمالی یمنع عن جریان الأصل فی أطرافه إذا إستلزم مخالفة عملیّة، ولا یخفى أنّه لا یلزم من إجراء استصحاب عدم التذکیة فی کلا الطرفین مخالفة عملیة، بل الإشکال فی انفصال زمان الشکّ عن زمان الیقین، حیث إنّ زمان الیقین بعدم التذکیة فی کلیهما إنّما هو زمان حیاتهما، وزمان الشکّ هو بعد الاختلاط وبعد فصل الیقین بصیرورة أحدهما مذکّى وصیرورة الآخر میتة.

هذا کلّه فی المقام الأوّل، وهو ما إذا کان کلّ من الحادثین مجهول التاریخ.

أمّا الموضع الثانی: (وهو ما إذا کان أحدهما مجهول التاریخ والآخر معلوم التاریخ، کما إذا علمنا فی المثال السابق بوقوع الملاقاة فی یوم الأحد، ولا نعلم أنّ الکرّیة هل وقعت یوم السبت حتّى لا تؤثّر الملاقاة فی نجاسة الماء أو وقعت بعد الأحد حتّى یکون الماء نجساً؟) فیجری فیه أیضاً الأقسام الخمسة المذکورة فی المقام الأوّل، کما لا کلام فی أربعة منها هنا أیضاً، بل إنّما الکلام والإشکال فی مفاد لیس الناقصة (والمراد منه ـ کما أشرنا سابقاً ـ ما إذا کان الأثر مترتّباً مثلا على عدم کون الماء کرّاً فی زمن الملاقاة وعلى عدم کون النجس ملاقیاً للماء إلى أن صار کرّاً). فقد حکم الشیخ الأعظم(رحمه الله) فیه بجریان استصحاب العدم فی خصوص مجهول التاریخ دون معلوم التاریخ، ومقتضى ما ذکره المحقّق الخراسانی(رحمه الله) عدم جریانه فیهما لما عرفت من شبهة انفصال زمان الشکّ عن زمان الیقین فیه أیضاً، کما أشار إلیه فی بعض کلماته فی المقام، لأنّ المفروض أنّ زمان الشکّ بالنسبة إلى مجهول التاریخ هو یوم الأحد (فإنّه یوم الملاقاة) وزمان الیقین بعدم الکرّیة هو یوم الجمعة، ولکن الجواب هو الجواب فلا نعید.

هذا بالنسبة إلى مجهول التاریخ.

وأمّا معلوم التاریخ فذهب الشیخ الأعظم(رحمه الله) إلى عدم جریان استصحاب العدم فیه کما مرّ، آنفاً وتبعه علیه جماعة آخرون.

وقد یتوهّم أنّه یجری الاستصحاب فیه أیضاً، لأنّ الکرّیة مثلا وإن کان وجودها معلوماً لنا بالنسبة إلى اجزاء الزمان ولکنّه مجهول بالنسبة إلى زمان الملاقاة، فالأصل عدم وجودها حین الملاقاة ومقتضاه النجاسة.

وقد اُجیب عنه بوجوه:

أولها: (وهو العمدة) أنّ مفاد الاستصحاب هو الحکم ببقاء ما کان متیقّناً فی عمود الزمان وجرّه إلى زمان الشکّ فی الارتفاع، وفی المقام لا شکّ لنا فی معلوم التاریخ باعتبار عمود الزمان حتّى نجرّه بالتعبّد الاستصحابی.

وبعبارة اُخرى: لا شکّ لنا فی معلوم التاریخ فی زمان أصلا، فإنّه قبل حدوثه (المعلوم لنا وقته تفصیلا) لا شکّ فی انتفائه، وبعد حدوثه لا شکّ فی وجوده، بل الشکّ فیه إنّما هو بالقیاس إلى الآخر.

ثانیها: سلّمنا بجریان استصحاب العدم فیه أیضاً، ولکنّه محکوم للاستصحاب الجاری فی مجهول التاریخ، لأنّه مسببی والاستصحاب الجاری فی مجهول التاریخ سببی، لأنّ الشکّ فی أنّ الملاقاة هل وقعت قبل الکرّیة أو بعدها (مع أنّ زمان الملاقاة معلوم) ینشأ فی الحقیقة من الشکّ فی زمان الکرّیة، فحیث أنّا لا نعلم أنّ الکرّیة هل وقعت یوم السبت بعد الأحد نشکّ فی أنّ الملاقاة الواقعة یوم الأحد هل وقعت حین وجود الکرّیة أو وقعت حین عدمها.

ولکن یرد علیه: أنّ السببیّة وإن کانت هنا معلومة ولکن التسبّب فیه لیس شرعیّاً، وقد ذکر فی محلّه لزوم ذلک فی حکومة الأصل السببی على المسبّبی.

ثالثها: ما عرفت من حدیث إنفصال زمان الشکّ عن زمان الیقین فإنّه صادق فی معلوم التاریخ أیضاً.

ولکن قد عرفت الجواب عنه بما لا مزید علیه.

وقد ظهر إلى هنا أنّ الحقّ عدم جریان الاستصحاب فی معلوم التاریخ تبعاً للشیخ الأعظم(رحمه الله) فیجری فی مجهول التاریخ من دون معارض.

بقی هنا شیء:

وهو توارد الحالتین المتعاقبتین (المتضادّتین کالوضوء والحدث) فی محلّ واحد، والفرق بینه وبین ما سبق (وهو توارد الحادثتین) أنّ الحالتین فی المقام لمکان تضادّهما لا یتصوّر فیهما التقارن، بخلاف الحادثتین کالملاقاة واحد کموت المتوارثین ونحوه، بینما الحالتان المتعاقبتان تعرضان لمحلّ واحد کما فی مثل الوضوء والحدث، هذا مضافاً إلى أنّ الکلام فیما سبق وقع فی استصحاب عدم أحدهما إلى حال حدوث الآخر، وهیهنا یقع فی استصحاب وجود أحدهما أو عدمه إلى زمان خاصّ.

وکیف کان فالأقوال فی المسألة أربعة:

1 ـ ما یظهر من کلمات الشیخ الأعظم(رحمه الله) من التفصیل بین ما إذا کانا مجهولی التاریخ فیجری الاستصحاب فی کلیهما ویتعارضان فیتساقطان، وما إذا کان أحدهما معلوم التاریخ فیجری فیه دون مجهول التاریخ، على عکس ما سبق فی الحادثتین.

2 ـ ما قد یظهر من کلمات المحقّق الخراسانی من عدم جریان الاستصحاب فیه مطلقاً.

3 ـ جریان الاستصحاب فی کلتا الصورتین، وهو ما ذهب إلیه المحقّق النائینی(رحمه الله) فی أجود التقریرات.

4 ـ الأخذ بضدّ الحالة السابقة على الحالتین إن کانت معلومة لنا، وهو منسوب إلى المحقّق الثانی(رحمه الله)وجماعة، بل وإلى المحقّق الأوّل(رحمه الله) أیضاً فی المعتبر.

أمّا القول الأوّل: الذی هو المختار فیمکن أن یستدلّ له بأنّه إذا کانا مجهولی التاریخ فحیث إنّ أرکان الاستصحاب فی کلیهما تامّة فیجری فی کلیهما ویتساقطان، کما أنّ الأرکان تامّة فی خصوص معلوم التاریخ فیما إذا کان أحدهما معلوم التاریخ، دون مجهول التاریخ، وذلک ببیانین:

أحدهما: أنّ مراده دائر بین ما هو معلوم الارتفاع وما هو مشکوک الحدوث، فإذا علم بأنّه توضّأ عند الزوال مثلا وعلم أیضاً بحدوث الحدث، ولا یعلم أنّه وقع قبل الزوال أو بعده فلا یجری استصحاب بقاء الحدث، لأنّه بالنسبة إلى قبل الزوال معلوم ارتفاعه فلا شکّ فیه، وبالنسبة إلى بعد الزوال مشکوک حدوثه فلا یقین به.

ثانیهما: أنّه من أوضح مصادیق احتمال انفصال زمان الیقین عن زمان الشکّ، أی أنه من مصادیق الشبهة المصداقیّة لدلیل «لا تنقض» لأنّ الحدث إن وقع قبل الزوال حصل الإنفصال قطعاً ودخل فی قوله: «انقضه بیقین آخر» فلا یکون الإتّصال محرزاً فی عمود الزمان، مع أنّ الاستصحاب استمرار لعمر المستصحب فی عمود الزمان کما مرّ.

وأمّا القول الثانی: وهو مختار المحقّق الخراسانی (عدم جریان الاستصحاب مطلقاً) فدلیله نفس ما مرّ فی البحث السابق من عدم إحراز اتّصال زمان الشکّ بزمان الیقین حتّى فی معلوم التاریخ، لأنّه وإن کان تاریخ حدوثه معلوماً لنا ولکن اتّصاله بزمان الشکّ الحاضر غیر معلوم لنا، لاحتمال انفصاله عنه وتخلّل ما هو المجهول تاریخ والمعلوم تحقّقه إجمالا، بینهما.

ولکن الجواب أیضاً هو الجواب فلا نعیده وهو الجواب الذی سبق فی مسألة تعاقب الحادثتین أیضاً.

وأمّا القول الثالث: (مختار المحقّق النائینی(رحمه الله)) وهو الجریان مطلقاً فالوجه فیه بالنسبة إلى مجهولی التاریخ ما مرّ، وأمّا بالنسبة إلى مجهول التاریخ فی مقابل معلوم التاریخ فیقول: «وأمّا بالنسبة إلى المجهول تاریخه وهو الحدث فی المثال فربّما یقال بعدم جریان الاستصحاب فیه تارةً من جهة عدم إحراز إتّصال زمان الیقین بالشکّ فیه، واُخرى من جهة أنّ أمره مردّد بین ما هو مقطوع الإرتفاع کما إذا کان قبل الطهارة، وما هو مشکوک الحدوث من جهة احتمال حدوثه بعدها المحکوم بالعدم بالأصل، ولذلک قد عرفت حدیث شرطیّة إحراز إتّصال زمان الیقین بالشکّ وأنّ دوران أمر الحادث بین کونه مقطوع الارتفاع أو مشکوک الحدوث إنّما یضرّ باستصحاب الفرد دون الکلّی، فلا مانع من جریان الاستصحاب فی مجهول التاریخ أیضاً بنحو استصحاب الکلّی»(2).

ولکن یرد علیه:

أوّلا: ما مرّ سابقاً بأنّ المستصحب فی مثل هذا المورد لیس کلّیاً لأنّ المتیقّن إنّما هو ذلک الفرد المبهم الواقع فی الخارج وما نشیر إلیه فی الاستصحاب، فهو جزئی حقیقی، وتسمیته کلّیاً مجاز ناش عن إبهام صفاته.

وثانیاً: سلّمنا، ولکنّه یتمّ بالنسبة إلى خصوص البیان الأوّل، ویبقى البیان الثانی (أعنی شبهة انفصال زمان الیقین عن زمان الشکّ) على تمامیته، وقد عرفت أنّ ما ذهب إلیه المحقّق النائینی(رحمه الله) من عدم الانفصال (من جهة أنّ الیقین والشکّ من الصفات الوجدانیّة التی لا یتطرّق إلیها الشکّ) وأنّ الإتّصال فی أمثال المقام حاصل بالوجدان، مدفوع بما مرّ أیضاً من أنّ الاعتبار بوجود المتیقّن والمشکوک، وبملاحظة زمانهما تحصل شبهة الانفصال، فراجع ما مرّ منّا فی تعاقب الحادثتین.

أمّا القول الرابع: وهو الأخذ بضدّ الحالة السابقة فالوجه فیه هو القطع بارتفاع الحالة السابقة بوجود ما هو ضدّها قطعاً، والشکّ فی ارتفاعه لاحتمال وجوده بعد وجود الحادث الآخر الموافق للحالة السابقة، فیکون مجرى للاستصحاب.

ولکن یرد علیه: أنّه أشبه بالمغالطة، لأنّه کما أنّ ضدّ الحالة السابقة وجد قطعاً وهو مشکوک الارتفاع، کذلک الحادث الآخر الموافق للحالة السابقة، فإنّه أیضاً قطعی الوجود ومشکوک الارتفاع فیستصحب. ویقع التعارض ویتساقطان.

ثمّ إنّ بعض الأعاظم اختار هذا المذهب (أی الأخذ بضدّ الحالة السابقة) فی جمیع صور المسألة إلاّ فیما إذا لم یکن معلوم التاریخ ضدّ الحالة السابقة، حیث قال: «والتحقیق عندی هو قول المحقّق(رحمه الله) فی مجهولی التاریخ والتفصیل فی معلومه بأنّه إن کان معلوم التاریخ هو ضدّ الحالة السابقة فکالمحقّق(رحمه الله)(3)، وإلاّ فکالمشهور، وإن ینطبق المسلکان نتیجة أحیاناً.

أمّا فی مجهولی التاریخ فلأنّ الحدث أمر واحد له أسباب کثیرة، وتکون سببیّة الأسباب الکثیرة للشیء الواحد سببیّة اقتضائیّة، بمعنى أنّ کلّ سبب یتقدّم فی الوجود الخارجی صار سبباً فعلیّاً مؤثّراً فی حصول المسبّب، وإذا وجد سائر الأسباب بعده لم تتّصف بالسببیة الفعلیة ... فإذا کان المکلّف متیقّناً بکونه محدثاً فی أوّل النهار فعلم بحدوث طهارة وحدث بین النهار، وشکّ فی المتقدّم والمتأخّر، یکون استصحاب الطهارة المتیقّنة ممّا لا إشکال فیه، ولا یجری استصحاب الحدث، لعدم تیقّن الحالة السابقة لا تفصیلا ولا إجمالا، فإنّ الحدث المعلوم بالتفصیل الذی کان متحقّقاً أوّل النهار قد زال یقیناً، ولیس له علم إجمالی بوجود الحدث إمّا قبل الوضوء أو بعده لأنّ الحدث قبل الوضوء معلوم تفصیلی، وبعده مشکوک بالشکّ البدوی ... هذا حال مجهولی التاریخ، وأمّا إذا جهل تاریخ الحدث وعلم تاریخ الطهارة مع کون الحالة السابقة هو الحدث فاستصحاب الحدث لا یجری، لعین ما ذکرنا فی مجهولی التاریخ من عدم العلم الإجمالی بالحدث فلا تکون حالة سابقة متیقّنة للحدث، ولکن استصحاب الطهارة لا مانع منه ... وإذا جهل تاریخ الطهارة مع العلم بالحدث سابقاً وعلم تاریخ الحدث فإستصحاب المعلوم التاریخ یعارض استصحاب الطهارة المعلومة بالإجمال ونحکم بلزوم التطهّر عقلا لقاعدة الاشتغال»(4).

أقول: وکأنّ منشأ الإشتباه فی هذا الکلام هو مسألة فعلیّة تأثیر سبب الحدث وشأنیة سببیته، والحال أنّه لا أثر لها فی المقام فإنّا نعلم علماً قطعیّاً أنّ المکلّف کان محدثاً مقارناً للحدث الثانی بأی سبب کان (الحدث السابق أو الحدث اللاحق) والکلام إنّما هو فی أصل وجود المسبّب، وهو قطعی فی تلک الحالة، ثمّ نشکّ فی إرتفاع هذا الحدث، فأرکان الاستصحاب فیه تامّة.

وإن شئت قلت: التردّد فی سبب وجود الشیء بعد القطع بوجوده لا یوجب تعدّد وجود الشیء أو الشکّ فی أصل وجود المسبّب.

بقی هنا اُمور:

الأوّل: فی مقتضى الأصل العملی بعد تعارض الاستصحابین وتساقطهما.

وهو مختلف باختلاف المقامات، فإذا کانت الحالتان الطهارة والحدث، فالمرجع هو أصالة الاشتغال لأنّ الواجب إتیان الصّلاة مع الطهارة، والمفروض عدم وجودها لا بالوجدان ولا بالأصل لسقوطه بالمعارضة، وإذا کانت الطهارة، عن الخبث والنجاسة فیکون المرجع أصالة الطهارة (قاعدة الطهارة المأخوذة من قوله (علیه السلام)کلّ شیء طاهر ...) ولا یخفى أنّ أصالة الطهارة غیر استصحابها، وإن کانتا الکرّیة والقلّة فالمرجع بعد تعارض أصالة عدم الکرّیة وأصالة عدم القلّة إنّما هو استصحاب الطهارة الثابتة قبل الملاقاة بالنسبة إلى الملاقى (بالفتح) واستصحاب النجاسة الثابتة قبل الملاقاة بالنسبة إلى الملاقی (بالکسر).

الثانی: أنّ ما ذکرنا من جریان الاستصحاب أو عدم جریانه فی المقام کان مختصّاً بمفاد کان التامّة، أو لیس التامّة، أی أصل وجود الحدث أو الوضوء أو عدمهما، ولا یجری بالنسبة إلى مفاد کان الناقصة (کان النوم متقدّماً على الوضوء أو بالعکس مثلا) أو مفاد لیس الناقصة (لم تکن الطهارة متقدّمة على الحدث أو بالعکس مثلا) لأنّه لیس له حالة سابقة متیقّنة کما لا یخفى.

الثالث: فی کلام للمحقّق النائینی(رحمه الله) حیث یرجع إلى مسألة فقهیة فی باب الطهارة، وهى ما إذا کان هناک ماءان مشتبهان قلیلان وکان الماء منحصراً بهما، فجاء فی الحدیث: «ویهریقهما ویتیمّم» سواء کان للإهراق موضوعیّة أو لم تکن فوقع البحث فی أنّه هل هو حکم على القاعدة، أو یکون من التعبّد المحض؟

فیمکن أن یقال: أنّه تعبّد محض لأنّ مقتضى القاعدة الاحتیاط بالتوضّی بکلّ واحد منهما، ثمّ إتیان الصّلاة به نظیر إتیان الصّلاة فی أربع جهات فی مشتبه القبلة.

وقال بعض أنّه حکم على القاعدة فی الجملة لأنّه بمجرّد وقوع القطرة الاُولى من الماء الثانی موضع إصابة الماء الأوّل قبل انفصال الغسالة یحصل له العلم التفصیلی بنجاسة الید ثمّ یشکّ فی زوال النجاسة وحصول الطهارة بعد انفصالها (لأنّه إن کان النجس هو الماء الأوّل کانت الغسالة طاهرة وإن کان النجس هو الماء الثانی کانت الغسالة نجسة) فیستصحب بقاء النجاسة فتبقى یده نجسة لا یمکن معها إتیان کلّ ما یشترط فیه الطهارة، والشارع المقدّس حذراً من وقوع المکلّف فی هذه المحاذیر أمر بإهراقهما والتیمّم.

المحقّق النائینی (رحمه الله) تصدّى لدفع هذه المشکلة وإثبات عدم تنجّس الید فی صورة عدم الإهراق، وبالمآل إثبات أنّ هذا الحکم لیس على القاعدة بل هو تعبّد محض، وذلک بتطبیق ما تبنّاه فی مسألة توارد الحالتین على هذه المسألة فقال: «ومن هنا یظهر الحال فی المغسول بمائین مشتبهین بالنجاسة ولو کان الغسل ثانیاً بماء قلیل، فإنّ نجاسة المغسول عند ملاقاة الماء الثانی وإن کانت معلومة تفصیلا إمّا من جهة تنجّسه بملاقاته أو من جهة بقاء نجاسته السابقة من جهة ملاقاة الماء الأوّل، ومشکوک الارتفاع بانفصال الغسالة عنه، إلاّ أنّ غایة ذلک هو جریان الاستصحاب فی طرف النجاسة شخصیاً، وهذا لا ینافی جریان الاستصحاب فی طرف الطهارة کلّیاً، ضرورة أنّ وجود الطهارة مع قطع النظر عن خصوصیة کونه بعد الغسل بالماء الثانی أو قبله معلوم تفصیلا ومشکوک بقاؤه وجداناً، فغایة الأمر هو وقوع المعارضة بین استصحاب الکلّی والشخصی (فیتعارضان ویتساقطان والمرجع أصالة الطهارة فیکون الحکم بالإهراق تعبّد من الشارع)»(5).

أقول: یرد علیه ما مرّ آنفاً من أنّ تسمیة هذا باسم استصحاب الکلّی لا یدفع المحذور، أی شبهة انفصال زمان الیقین عن زمان الشکّ بسبب القطع بوجود آن معیّن فی عمود الزمان محکوم بالنجاسة قطعاً.


1. راجع فوائد الاُصول: ج4، ص510 ـ 511، طبع جماعة المدرّسین.
2. أجود التقریرات: ج2، ص434، طبع مؤسسة مطبوعات دینی.
3. ونسب فی بعض الکلمات إلى العلاّمة فی المختلف بل فی أکثر کتبه لزوم الأخذ بوفق الحالة السابقة على الحالتین إن کانت معلومة لنا، ولکنّه لا یعلم له وجه وجیه.
4. الرسائل: ج1، ص200 ـ 203.
5. أجود التقریرات: ج2، ص434، طبع مؤسسة مطبوعات دینی.

 

التنبیه الحادی عشر: لزوم کون المستصحب حکماً شرعیّاً أو ذا حکم شرعی ولو بقاءًالتنبیه الثالث عشر: استصحاب الکتابی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma