وهو أنّ شیخنا الأعظم الأنصاری(رحمه الله) استدلّ لوجوب الإجتناب عن الملاقی فی المقام بروایة عمرو بن شمر عن جابر عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: «أتاه رجل فقال: وقعت فأرة فی خابیة فیها سمن أو زیت فما ترى فی أکله؟ قال: فقال له أبو جعفر(علیه السلام): لا تأکله. فقال له الرجل: الفأرة أهون علیّ من أن أترک طعامی من أجلها قال: فقال أبو جعفر(علیه السلام): إنّک لم تستخفّ بالفأرة وإنّما استخففت بدینک، إنّ الله حرّم المیتة من کلّ شیء»(1) حیث إنّ قوله(علیه السلام): «حرّم» بمعنى الحکم بالنجاسة فیکون مقتضى ذیل هذه الروایة نجاسة المیتة بتمام شؤوناتها التی منها الملاقی، فالاجتناب عن الملاقی یعدّ من شؤون الاجتناب عن الملاقى، ثمّ ناقش فی سندها لمکان عمرو بن شمر الذی هو ضعیف جدّاً وقال العلاّمة فی حقّه: «لا أعتمد على شیء من روایاته» وأیضاً هو متّهم بالدسّ فی روایات جابر.
والصحیح أنّ دلالتها أیضاً قابلة للمناقشة، والوجه فی ذلک أنّ أصل النجاسة والاستقذار أمر عرفی کانت موجودة قبل وجود الشرع، غایة الأمر أنّ الشارع أضاف إلیها شیئاً أو نقص منها شیئاً نظیر ما هو ثابت فی باب المعاملات، فلیست النجاسة من مخترعات الشارع، کما أنّ الملاقاة وسرایة النجاسة إلى الملاقی أیضاً أمر عرفی، والعرف یحکم بها إذا تحقّقت قذارة جدیدة وموضوع جدید للنجاسة بعد الملاقاة، ولا تعدّ نجاسة الملاقى والملاقی شیئاً واحداً، فلیس الملاقی من شؤون الملاقى حتّى یستفاد من اطلاق دلیل الملاقى نجاسة الملاقی، فلیس معنى «الفأرة نجس» مثلا «إجتنب عنها وعن ملاقیها».
هذا کلّه بالنسبة إلى ملاقی أحد الأطراف، وأمّا إذا حصلت الملاقاة بالنسبة إلى جمیع الأطراف کما إذا لاقت إحدى الیدین بأحد الإنائین المعلومة نجاسة أحدهما، ولاقت الید الاُخرى بالإناء الآخر فلا إشکال فی نجاسة الملاقی لحصول علم إجمالی جدید حینئذ بالنجاسة کما لا یخفى.
1. وسائل الشیعة: الباب 5، من أبواب الماء المضاف، ح 2.
